إصلاح عاجل لاقتصاد دولة آسيوية

من بعد سريلانكا وباكستان وأفغانستان وبورما، هنالك دول تعاني المشكلات الاقتصادية بدرجات مختلفة، نجد أن دولة آسيوية أخرى في النطاق الجغرافي ذاته تقريبا، وهي بنجلادش، باتت تواجه مشكلات اقتصادية مشابهة يمكن حلها، وإذا تركت قد يؤدي تفاقمها إلى حدوث فوضى واضطرابات ما لم تسارع حكومتها إلى اتخاذ قرارات عاجلة لإصلاح الخلل.
صحيح أن الاقتصاد العالمي برمته تعرض خلال الأعوام القليلة الماضية إلى صدمات وهزات من جراء جائحة كورونا وتداعياتها والتقلبات المناخية الشديدة والتوترات الجيوسياسية وتداعيات الحرب الأوكرانية ـ الروسية، ما أثر سلبا في أحوال معظم دول العالم، غير أن تلك التأثيرات السلبية كانت -بطبيعة الحال- ذات وقع أشد على دول الجنوب ذات الاقتصادات الفقيرة أو الهشة.
وعلى الرغم من أن بنجلادش لا تزال كيانا متماسكا وبلدا مستقرا من الناحية الأمنية، وفيها مشاريع تنموية اقتصادية واجتماعية جيدة، وعلى الرغم من تصنيفها لأعوام عدة على أنها من الدول الأسرع نموا في جنوب آسيا "سجلت في العام المالي 2021 / 2022 معدل نمو بلغ 7.2 في المائة"، وعلى الرغم من نجاح حكومتها في التصدي بنجاح مذهل لتبعات وباء كورونا في أوساط سكانها البالغ تعدادهم نحو 170 مليون نسمة "إحصائيات 2021"، إلا أن العيوب الهيكلية لاقتصادها باتت تهدد استقرارها وتقرع أجراس الإنذار من تأزم أوضاعها ودخولها مرحلة الركود.
والمعروف أن بنجلادش من الدول التي تعتمد إيراداتها على الصادرات، حيث تشكل صناعة الملابس الجاهزة وحدها نحو 80 في المائة من هذه الإيرادات. والمعروف أيضا أن هذه الصناعة تأثرت بشدة من جراء عدم استقرار أسواق الطلب العالمية، فضلا عن أن اعتمادها المكثف على مدخلات مستوردة وعلى عمالة بشرية غير ماهرة وبنية تحتية ضعيفة، يقف عقبة أمام استمرار الصناعة بالزخم نفسه أو النمو على المدى الطويل.
من ناحية أخرى، نجد أن الضرائب التي تشكل المصدر الرئيس لدخل الحكومة غير مستقرة أو منتظمة التحصيل بسبب انتشار الفساد وظاهرة التهرب الضريبي المتفشية، بدليل أن البيانات والأرقام الحكومية تفيد بأن الإيرادات الضريبية لا تتجاوز 7.7 في المائة فقط من الناتج المحلي الإجمالي، وأنها كانت على مدى الأعوام الـ18 الماضية أقل من 80 في المائة من إجمالي الإيرادات الحكومية. وهذا الإخفاق يعزى تحديدا، إلى افتقار البلاد إلى الأدوات الضريبية المناسبة والسياسات الصارمة لجبي الضرائب، ومحاباة بعض المتنفذين لدواع انتخابية. ومما لا شك فيه أن هذا يحرم الدولة من إيرادات معتبرة يمكن استخدامها في مشاريع تعود بالنفع على الوضع الاقتصادي، وتحسين مستويات المعيشة بصفة عامة.
إلى ما سبق، تواجه بنجلادش نظام مواصلات ونقل ضعيف البنية، وشبكة كهرباء محدودة، ونسب تضخم مرتفعة في الأسعار، وهذا لا يتسبب في تذمر الجماهير وحنقها على الحكومة فقط، وإنما يتسبب أيضا في إحجام رأس المال الأجنبي من القدوم للاستثمار في البلاد. كما أن تضاؤل صادرات البلاد من الملابس الجاهزة من جهة، وارتفاع تكاليف المدخلات المستوردة الضرورية لهذه الصناعة من جهة أخرى، معطوفا على ارتفاع تكاليف استيراد الغذاء والطاقة، وتراجع قيمة العملة المحلية "تكا" أمام العملات الصعبة، أدى كله إلى خلل في الميزان التجاري لغير مصلحة بنجلادش، وحدوث عجز مالي.
ولعل ما فاقم الأمور أكثر أن الأوضاع العالمية الأخيرة كان لها دور في انخفاض أو توقف التحويلات المالية لعدة ملايين من مواطني البلاد العاملين في الخارج أو المهاجرين منهم، خصوصا في ظل تذبذب أسعار العملة المحلية بشدة، وهو ما تسبب بدوره في نضوب خزينة البلاد من العملات الصعبة. وتأتي هذه المعضلة في وقت تحتاج فيه البلاد إلى استيراد مزيد من الطاقة الآخذة أسعارها في الصعود، لتلبية الطلبات المتزايدة للسكان والأعمال.
ولكأنما بنجلادش لا تكفيها كل هذه التحديات لتواجهها مشكلة أخرى خطيرة تنذر بالأسوأ وهو التغير المناخي. حيث أوردت تقارير أمريكية ودولية ما مفاده أن مسار النمو في بنجلادش سيتعرض إلى الخطر قريبا بسبب التغير المناخي السريع، خصوصا أن بنجلادش تعد سابع أكثر الدول تضررا في العالم من أحداث الطقس الشديدة بسبب تضاريسها المنخفضة، وهو ما قد يجبر نحو 30 مليون بنجلادشي على مغادرة منازلهم الساحلية، لتواجه حكومة دكا عبئا إضافيا.
من هنا قامت بعض الجهات المهتمة بأوضاع هذا البلد بتقديم النصح إلى حكومة بنجلادش لتفادي حدوث الأسوأ، مطالبين إياها بتنويع سلة الصادرات، ومواجهة التهرب الضريبي، والتوجه نحو مصادر الطاقة المتجددة، وتعزيز برامج الضمان الاجتماعي لحماية الشرائح الأضعف والأقل دخلا في المجتمع، وتحسين القدرات المحلية من خلال بناء شراكات دولية أوسع، وتطوير الاستراتيجيات الخاصة بترويج الصادرات، والتشجيع على الادخار والاستثمار في البنية التحتية، وغير ذلك.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي