سوق المؤثرين .. لماذا ضعف تأثيرهم؟

علم اقتصاد المؤثرين ليس بالجديد - حتى إن كان توسعه وظهوره وانتشاره في العالم العربي يعد قريبا نوعا ما - فالطلب على إعلانات المؤثرين مرتبط بسوق الدعاية والإعلان، والمؤثر هو الشخص الذي يمكنه التأثير في قرارات المشترين المحتملين، وقد يكون شخصا مشهورا أو رياضيا أو شخصية عامة مميزة أو شخصية خيالية أو صديقا تثق به.

ولعقود طويلة كان هؤلاء المؤثرون يظهرون في الإعلانات التلفزيونية والمصاحبة لأفلام السينما، حتى في إعلانات الصحف، على أساس أن تأثيرهم قد يحفز المبيعات، لكن مع انتشار استخدام وسائل التواصل الاجتماعي، تغير تعريف المؤثر قليلا، فلم يعد بالضرورة شخصية عامة، بل يكفي أن يكون لديه عدد كبير من المتابعين على وسائل التواصل الاجتماعي والأصدقاء. فالتجارب والإحصائيات في علم التسويق تدل على أن 92 في المائة من المستهلكين يثقون بالتعليقات والتوصيات من الأصدقاء والعائلة والعملاء الحاليين والمستشارين الموثوق بهم "مثل المؤثرين".
وتشير بعض الإحصاءات إلى أن سوق التسويق العالمية المؤثرة ولدت 15.2 مليار دولار في 2022.

ومن المتوقع أن يصل حجم السوق العالمية إلى 22.2 مليار دولار بحلول 2025، أي أكثر من ضعف المبلغ المسجل في 2020 "9.7 مليار دولار"، خاصة أن دفع أموال للمؤثرين أصبح أكثر تفضيلا من مجرد منحهم منتجا مجانيا. وتعد منصة التيك توك الأكثر استخداما من قبل 56 في المائة من العلامات التجارية التي تستخدم التسويق المؤثر، تلتها منصة إنستجرام ثم فيسبوك ويوتيوب.
لكن ليست الأمور بهذه الصورة المشرقة تماما، ذلك أن المنصات نفسها بدأت تعاني مشكلات كثيرة تشريعية أو حتى في نمو عدد المشتركين، ففي تقرير نشرته "الاقتصادية" أخيرا يظهر أن اقتصاد المؤثرين وصل إلى نقطة تحول غير مريحة، فمع عدد الجماهير الضخم هناك توقف في النمو، وهذا التوقف ليس من جانب الطلب على خدمات المؤثرين أنفسهم في الإعلانات، بل التوقف جاء من خلال تباطؤ النمو في أعداد المتابعين في شركات التواصل، فالعدد في منصة التيك توك قد استقر تقريبا عند مليار منذ أواخر 2021، ثم تباطأ النمو وانخفض عدد المستخدمين النشطين يوميا في تطبيق بي ريل بـ50 في المائة تقريبا من أعلى مستوياته، وفقا لبيانات من "بودكاست بزنس أوف أبس" وشركة أبتوبيا للبرمجيات، تعاني منصة فيسبوك تراجعا في النمو، بينما هناك نقاش بشأن حقيقة أعداد المستخدمين لمنصة تويتر، وبهذا فإن قدرة المؤثرين على زيادة أعداد المتابعين قد تتقلص بشكل واضح خلال الأعوام المقبلة بما يشكل تحديا واضحا لهذه الصناعة.

ليس هذا هو التحدي الآن، بل لقد أشار تقرير "الاقتصادية" إلى أن تحديا ثقافيا يعد هو الأشد صعوبة، وهو عمر السوق، التي يعمل فيها المؤثرون الذي يقارب عقدين، فمعظم المؤثرين الذين وثقوا حياتهم اليومية لم يعد لهم التأثير ذاته مع اختفاء بريق الشباب وصعوبة إيجاد محتوى مؤثر مناسب، خاصة مع تغير سمات واهتمامات الجمهور أيضا.

فجيل كامل من المشاهدين أصبحوا الآن مدركين حيل التسويق التقليدي، ولم يعد لديهم الشغف ذاته، واستعادته تتطلب شيئا جديدا لم يعد لدى المؤثرين الحاليين، ولا حتى لدى منصات التواصل القائمة.
لذلك بدأ الإنفاق على الإعلانات الرقمية ينكمش، كما يؤكد تقرير لشركة ألفابت أن أرباح إعلانات يوتيوب انخفضت 8 في المائة تقريبا خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة من 2022، مقارنة بالعام السابق، وذكرت "فاينانشيال تايمز" أن التمويل انخفض من أكثر من ثلاثة مليارات دولار في 2021 إلى أقل من مليار دولار العام الماضي.
إن هذه الحالة الاقتصادية الراهنة لصناعة التأثير، التي شملت انخفاض نمو أعداد المتابعين في شركات التواصل، وتراجع نمو الإعلانات مع انخفاض التمويل، كل ذلك يمكن وصفه بمرحلة زوال التأثير، وهذه المرحلة من زوال التأثير ليست رفضا للاستهلاك أو عدم متابعة وسائل التواصل الاجتماعي، بل هي انعكاس لصعوبة إيجاد تأثير مقنع مع تصاعد التعليقات السلبية والانسحاب من المتابعة كلما جاء المؤثر بمقترحات جديدة، على أساس من استقلالية المؤثر التي يؤكدها في الأغلب من خلال إنشاء مقاطع الفيديو، كما لو كان في عجلة من أمره أو أن المقطع ظهر بشكل تلقائي بدلا من التخطيط له.
إن هذا المحتوى وهذه الاستقلالية الزائفة لم يعودا يقنعان جيلا من المشاهدين، أصبح يدرك كل الحقائق بل جلها، لكن يبقى السؤال الذي يحتاج إلى إجابة شافية ومقنعة، هل تراجع نمو أعداد المشتركين في منصات التواصل يعود إلى ضعف محتوى المؤثرين أم أن ضعف محتوى المؤثرين يعود إلى تراجع نمو المتابعين، وأيهما أثر في الآخر؟ هذه هي ظاهرة زوال التأثير.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي