كيف السبيل الاقتصادي لتفاهم طوكيو وبيونجيانج؟
المعروف أن الثقة مفقودة بين اليابان والنظام الشيوعي الحاكم في كوريا الشمالية، بسبب سياسات الأخيرة العدائية تجاه كل جاراتها واستمرارها في القيام بأعمالها العسكرية الطائشة في المياه والأجواء المشتركة، بل لا توجد أصلا علاقات دبلوماسية بين البلدين الجارين.
في الآونة الأخيرة تصاعدت أعمال بيونجيانج العدائية ضد طوكيو، وكان آخرها إطلاق الأخيرة صاروخا باليستيا على اليابان في تشرين الأول (أكتوبر) من العام الماضي ردا على ما وصفه النظام الكوري الشمالي بأعمال اضطهاد من جانب اليابان تجاه مواطنيها المقيمين هناك.
وعلى أثر ذلك أطلقت دعوات في اليابان بضرورة إيجاد قناة للتفاوض مع بيونجيانج بهدف الحد من شغبها وتهورها، وصولا إلى تفاهم ما يجنب المنطقة الصراعات المسلحة.
وهي الدعوات التي رد عليها رئيس الحكومة اليابانية فوميو كيشيدا، بالإعراب عن استعداده للقاء نظيره كيم جونج أون، دون قيد أو شرط، على الرغم من أن قمة يابانية ـ كورية شمالية عقدت في 2002 لم تسفر عن أي نتيجة، بل أدت إلى مزيد من التدهور في علاقات البلدين الثنائية، فضلا عن جلوس مفاوضين من البلدين وجها لوجه في بكين 2008 في محادثات غير رسمية على هامش المناقشات السداسية الهادفة آنذاك إلى وقف البرنامج النووي لبونجيانج.
حيث طغت قضية مواطنين يابانيين اختطفهم عملاء كوريون في السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي.
وقتها أقرت بيونج يانج باختطاف 13 يابانيا لتعليم العملاء الكوريين اللغة والثقافة والعادات اليابانية، وقالت إنها أفرجت عن خمسة منهم وأعادتهم إلى بلادهم بينما توفي الباقون، فيما أصرت طوكيو على أن عددهم 17 مختطفا، وأن بيونجيانج تحتجزهم للمساومة.
على أثر التطورات الأخيرة عاد اسم "تشونجريون" إلى الواجهة كقناة بالإمكان استخدامها لتقريب وجهات النظر بين الطرفين والتمهيد للقمة المقترحة من الجانب الياباني.
وتشونجريون Chongryon، لمن لم يسمع به، ليس سوى اتحاد عام للمقيمين من مواطني كوريا الشمالية في اليابان، ويشرف عليه المكتب 225 التابع لحزب العمال الحاكم في بيونجيانج، وقد عمل لأعوام طويلة كقناة وحيدة بين حكومتي البلدين في ظل عدم وجود تمثيل دبلوماسي لأي منهما على أراضي الدولة الأخرى.
وكان تأثير تشونجريون يقل أو يزداد بحسب رضا بيونجيانج عن نشاطاته وخدماته. هذا علما بأنه أسس في 1955 بدعم كوري شمالي للاضطلاع بمهام دعائية وأيديولوجية، وأيضا لإدارة عشرات المدارس والجامعات التي تتولى تعليم اللغة والثقافة الكورية لمواطني الشطر الشمالي من كوريا الموجودين على الأراضي اليابانية، من تلك التي لم يسمح لها بالاستفادة من الدعم الحكومي الياباني بسبب تدهور العلاقات بين طوكيو وبيونجيانج.
إلى ذلك، راح تشونجريون يدير عديدا من المؤسسات التجارية والإجرامية بأشكال مختلفة فتحققت له إيرادات سنوية معتبرة، كان يمول بها أعماله من جهة ويحول ما يفيض لديه إلى الحزب الحاكم في بيونجيانج بطرق ملتوية.
والجدير بالذكر أن قدرته على التمويل الذاتي تدهورت وضعفت مع تراجع الأحوال الاقتصادية في اليابان بدءا من التسعينيات من جهة، وتشدد طوكيو في مراقبة أنشطته من جهة أخرى.
وهو ما جعله يتحول إلى كيان أكثر انفتاحا على المجتمع الياباني وأوسع تعاونا مع الكوريين الجنوبيين المقيمين في اليابان، بل أقل تمسكا بالمبادئ والأيديولوجيات الشيوعية، بدليل تعاونه مع الحكومة اليابانية في إعادة نحو 90 ألف كوري شمالي إلى وطنهم الأم من أولئك الذين عدتهم النخب اليابانية فئة يسارية مثيرة للشغب، ثم بدليل عقده للقاءات مع رموز مختلف الأحزاب السياسية الرئيسة في اليابان سعيا منه إلى ترطيب الأجواء بين طوكيو وبيونجيانج، وإن قيل إنه كان يجمع معلومات استخباراتية لمصلحة بيونجيانج، وهو ما لم يكترث به الزعيم الياباني الأسبق جونيشيرو كويزومي، الذي شارك في احتفالات ذكرى تأسيسه في 2005.
وطبقا لإحصائيات وزارة العدل اليابانية في كانون الأول (ديسمبر) 2018، فإن أكثر من 29 ألف شخص من ذوي العرق الكوري يعيشون في اليابان دون أن يتمتعوا بأي جنسية أو هوية محددة، وأن معظمهم أعضاء في تشونجريون، وأن عددهم انخفض خلال الأعوام الثلاثة السابقة لـ2018 بـ11 في المائة، في إشارة إلى أن عديدا منهم حصل على الجنسية اليابانية أو الكورية الجنوبية.
ولعل هذا ما دفع الزعيم الكوري الشمالي كيم جونج اون، إلى إبداء اهتمام أكبر بتشونجريون منذ وصوله إلى السلطة في 2011 بدليل رسالته إليهم في الذكرى الـ25 لانعقاد مؤتمرهم التي قال فيها إن "السياسة الأبدية لجمهوريتنا هي أن نولي أهمية لتشونجريون والمواطنين في الخارج"، فضلا عن توجيه صواريخه الباليستية أخيرا باتجاه اليابان تحذيرا من سوء معاملتهم.
نخالة القول إن تشونجريون، كما يبدو، ما زال يحظى بقيمة وأهمية لدى طوكيو لجهة المساهمة في إحداث اختراق في علاقات اليابان الشائكة مع نظام بيونجيانج المشاغب، خصوصا أن اليابانيين سبقت لهم الإشارة إليه بالاسم في 2017 حينما أعربوا عن رغبتهم في استضافة قمة يابانية ـ كورية شمالية.
ونختتم بما قالته الباحثة سو يو كيم، في مقال نشره منتدى شرق آسيا في كلية كروفورد للسياسة العامة التابعة للجامعة الوطنية الأسترالية، من أن تشونجريون استطاع أن ينجو في تاريخه من الانهيار الاقتصادي والأزمات الثنائية والضغوط السياسية، وأن يحافظ على ثقة بيونجيانج، وبالتالي فهو في موقع يسمح له بلعب دور كقناة منظمة ومستقرة في انعقاد القمة المقترحة.