ما بعد فضيحة «ليبور» .. البدائل
ليس بمستغرب أن يظهر بين الحين والآخر تفاوت كبير في الفروقات بين معدل سايبور السعودي ومعدل ليبور الدولي، وهو الفارق الذي يظهر فيه سايبور غالبا أعلى من ليبور بـ50 نقطة أساس، يزيد أحيانا إلى 150 نقطة وينخفض ليلامس الصفر أو ينزل عن ذلك قليلا. السبب الرئيس يعود إلى اختلاف المحددات الائتمانية بين المعدلين، وربما لا يخلو ذلك من سوء طبيعة ليبور الذي مني بسلسلة من الفضائح أدت في نهاية الأمر إلى البحث عن بدائل مناسبة له، ومن ثم التوقف الفعلي عن استعماله لعدد من العملات والآجال بنهاية 2021، على أن يتم التوقف الكامل عن استخدامه في منتصف 2023، وسيشمل ذلك أهم أجلين للدولار، ليبور ثلاثة أشهر وليبور ستة أشهر.
بسبب فضيحة ليبور تكبدت بنوك عالمية عقوبات بنحو تسعة مليارات دولار، أقرتها ضدها السلطات النقدية في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، وكانت الشكوك في صحة معدل ليبور تثار بين الحين والآخر منذ نحو 20 عاما، إلا أنها ظهرت إلى العلن عقب الأزمة المالية 2008 وبالفعل تم كشف الاحتيال في 2012 وبدأ العمل على إيجاد البدائل.
في المملكة قام البنك المركزي السعودي في 2016 بالالتفات إلى طبيعة عمل معدل الفائدة السعودي "سايبور"، المستخدم من قبل البنوك السعودية وجميع المؤسسات المالية في تحديد أسعار القروض والمشتقات المالية. سبب تحرك البنك المركزي السعودي يعود إلى تشابه عملية حساب معدل سايبور بعملية حساب معدل ليبور، في كون ما يقوم بحساب المعدل هو بنوك تجارية ذات مصالح خاصة، وبالتالي فإن أي خلل في تحديد السعر ولو بنقطة أساس واحدة ستكون له تأثيرات حادة في المعتمدين على المعدل.
يقدر حجم العمليات التي تستند إلى معدلات ليبور بنحو 370 تريليون دولار، أي ما يتجاوز ثلاثة أضعاف حجم الناتج الاقتصادي العالمي، وكانت الطريقة السائدة في تحديد معدلات الفائدة الخاصة به تتم بالتشاور والتواصل المباشر بين البنوك. وبسبب هذا الحجم المهول من العمليات تبين أن هناك بالفعل حالات احتيال صريحة، حين قام بعض المشاركين بالتآمر على تحديد سعر الفائدة، لتجنب خسائر كانت ستقع على بنوكهم.
ردة الفعل السعودية أتت بتكليف جهة خارجية لإدارة عملية تحديد سعر سايبور، هي شركة "تومسون رويترز"، على أن يتم تحديد السعر وفق منهجية معينة وإجراءات دولية متفق عليها. ورغم أهمية معدل سايبور إلا أن عملية الاعتماد على سعر مرجعي ليست مقصورة على معدل سايبور، بل إن هناك مرجعيات سعرية يعتمد عليها بشكل أو آخر، مثل عقود المبادلة المقومة بالريال السعودي أو عوائد السندات الحكومية السعودية أو حتى معدلات اتفاقيات الشراء مع البنك المركزي. لكن في حقيقة الأمر، إن ما يحدث على أرض الواقع هو أن هناك اعتمادا على معدل ليبور حتى الآن، وبحكم انتهاء العمل به بشكل كامل في منتصف 2023، غير معروف حتى الآن ما سيتم الاستئناس به من معدلات الفائدة البديلة.
من البدائل المطروحة في الولايات المتحدة، وهو الأقرب لأن يكون البديل المناسب لمعدل ليبور، هناك معدل "سوفر"، الذي تم بالفعل العمل به في عدد كبير من المشتقات والوسائل الائتمانية في الولايات المتحدة، وهو مبني على معدل اتفاقيات إعادة الشراء لفترة قصيرة، الخاصة بالسندات الحكومية الأمريكية. لذا فهو يتميز عن ليبور بكونه مبنيا على أصول حقيقية مضمونة، وليس مجرد أرقام افتراضية يتم تحديدها من قبل أطراف لا تخلو من تضارب المصالح. لكن لا تزال هناك بدائل أخرى في أوروبا والمملكة المتحدة وكذلك اليابان ودول أخرى، ولكل سعر مرجعي خصائص معينة تدعم استخدامه من عدمه.
الانتقال إلى معدل آخر غير ليبور ليس بالأمر الهين، لوجود عقود قائمة مسعرة وفقا لمعدل ليبور، وبعض هذه العقود ستبقى قائمة حتى بعد انقضاء عمر ليبور في منتصف 2023، لذا فهناك آليات معينة سيتم العمل بها لتلافي أي اختلالات ستنتج بسبب توقف رصد سعر المعدل. ما الذي سيتم في القطاع المالي السعودي؟ سيستمر العمل بمعدل سايبور السعودي، لكن ذلك سيتم بالاستئناس بالمرجعيات السعرية العالمية، ومن جهة أخرى هناك مؤسسات مالية سعودية لا تعتمد على معدل سايبور في تحديد ما لديها من التزامات مالية.