الكفاية المالية .. هل تكفي المستثمرين؟
في الوقت الذي تقوم فيه هيئة السوق المالية في السعودية بإصدار قواعد الكفاية المالية المحدثة تبرز هناك عدة تساؤلات حول جزئية مهمة متعلقة بما يعرف قانونا بالواجب الائتماني fiduciary duty لمدير الاستثمار، والمقصود بها أن يكون تصرف من يدير أموال الآخرين مبنيا على مصلحة المستثمرين في جميع الأوقات، وليس مبنيا على مصلحته الشخصية. هذا التساؤل ظهر أخيرا في سياق كارثة انهيار بورصة إف تي إكس العاملة في مجال المشتقات والعملات المشفرة والمتهمة بعمليات احتيال مالي بخسائر تزيد على ثمانية مليارات دولار، وما إذا كانت المؤسسات المالية المستثمرة في بورصة إف تي إكس قد تصرفت كما ينبغي أم لا.
يحسب لهيئة السوق المالية في السعودية دورها الكبير في تنظيم السوق المالية وإصدار عدد من الأنظمة واللوائح الخاصة بذلك، وآخرها التعديل الجديد على قواعد الكفاية المالية، المعني خصوصا بتعزيز استقرار مؤسسات السوق المالية من خلال المتطلبات المتعلقة بمخاطر الائتمان ومخاطر السوق والمخاطر التشغيلية ومخاطر تركز أعمال المؤسسة المالية في جهة واحدة أو جهتين.
الإشكالية المتعلقة بالمؤسسات المالية الكبرى ممن استثمر في البورصة المنهارة، وهي مؤسسات بحجم "سيكويا كابيتال" و"سوفت بانك" و"بلاك روك" إلى جانب عدد من صناديق التحوط وصناديق رأس المال الجريء، ليست في خسارتها واحدة من عشرات الاستثمارات التي يقومون بها، بل إن الإشكالية في احتمال أنهم قاموا بتلك المخاطرة بتهور واستهتار بأموال المستثمرين. على من تقع المسؤولية؟
الحقيقة أن الجهات الرقابية، كهيئة السوق المالية، تشرف بشكل أو آخر على جميع ضحايا هذه القضية، وهم أولا عملاء البورصة، ثم القائمون على البورصة، ومن ثم المؤسسات المالية الممولة، وأخيرا عملاء تلك المؤسسات المالية. من المهم إدراك أن مصدر الثقة بالمؤسسات المالية من قبل المستثمرين ناجم عن امتلاك تلك المؤسسات المالية للتراخيص اللازمة من قبل الجهات الإشرافية، فهل زج أموال المستثمرين في استثمارات خطرة يتماشى مع الواجب الائتماني لتلك المؤسسات؟ وهل تعامل تلك المؤسسات المالية مع بورصة غير مسجلة في الولايات المتحدة بأموال مستثمرين في الولايات المتحدة أمر مقبول؟ وهل تم أخذ موافقة المستثمرين الخطية بالتعامل باستثمارات العملات المشفرة عن طريق مؤسسات غير قادرة على الحصول على التصاريح اللازمة للعمل على أرض الدولة ذاتها؟
علينا طرح مثل هذه التساؤلات فيما يخص المؤسسات المالية العاملة في السعودية، وهل من تنظيمات صريحة في تشريعات الجهات الرقابية تتطرق لمثل هذه الاحتمالات؟ السوق المالية السعودية كبيرة في حجمها وتدير أموال مستثمرين كبيرة، وهناك انفتاح كبير نحو تعدد الوسائل المالية المتاحة والسماح لعدد متنوع وكبير من المؤسسات المالية، وبالتالي الحاجة ماسة إلى دعم جهود الجهات الرقابية كالبنك المركزي السعودي وهيئة السوق المالية وتشجيعها على اتخاذ مزيد من الإجراءات المنظمة لذلك.
تجدر الإشارة إلى أن عدد الصناديق الاستثمارية في المملكة وصل إلى 890 صندوقا، وعدد المشتركين 677 ألف مشترك، بقيمة أصول مدارة تبلغ 235 مليار ريال، نحو نصفها في استثمارات محلية والنصف الآخر في استثمارات خارجية. وهناك 100 مؤسسة تعمل في مجال إدارة الاستثمارات، و62 مؤسسة في مجال الحفظ وأكثر من 100 مؤسسة في مجال الترتيب والمشورة.
قواعد الكفاية المالية التي تشرف عليها هيئة السوق المالية في غاية الأهمية، كونها تتطلب من هذه المؤسسات المالية الاحتفاظ برأسمال كاف لمواجهة المخاطر الائتمانية، التي قد تتعرض لها، وذلك شبيه بما يقوم به البنك المركزي مع البنوك المحلية في سياق معيار كفاية رأس المال واتفاقية بازل الثالثة المنظمة لذلك. على سبيل المثال، القواعد الجديدة تشترط على المتعاملين في مجال الإدارة الاحتفاظ بنسبة 50 في المائة من متطلبات رأس المال، وتكون النسبة 25 في المائة على الجهات العاملة في مجالي الترتيب والمشورة.
الجهات الرقابية بحاجة إلى صرامة في تطبيق تلك القواعد، إضافة إلى ضرورة التزام جميع المؤسسات المالية بمقتضيات اللوائح التنفيذية المنظمة لأعمالها، كما في لائحة مؤسسات السوق المالية، وقواعد طرح الأوراق المالية والالتزامات المستمرة، وغير ذلك من تعليمات خاصة بصناديق الاستثمار وصناديق الاستثمار المباشر والصناديق المغلقة وغيرها.