الاستدامة الفردية
في متجر البقالة توقفت قليلا أمام رف الأكياس الصغيرة للنفايات، كنت حائرا بين شراء منتج كتب عليه "قابل لإعادة التدوير"، وآخر ليس كذلك، حائرا لوجود فرق في السعر، ليس يسيرا أو يمكن تجاهله، حيرة رب الأسرة الذي يبحث عن التوازن المالي قدر المستطاع، وحيرة الإنسان الباحث عن الوعي، الذي يروم الاستدامة إذا ما استطاع إليها سبيلا.
عزمت أمري واشتريت النوع القابل للتدوير، أولا لأنني قادر، ولله الحمد، وثانيا لأنني يجب أن أفكر وعائلتي في طريقة تجعل استهلاك هذه الأكياس الصغيرة أقل، بحيث لا ترتفع علينا التكلفة الإجمالية من جراء الاختيار الأفضل والأسلم لنا ولبيئتنا ومستقبلنا، وإذا كنت تتساءل: هل نجحنا؟ فليس لدي إجابة الآن، لكن سأحاول الرصد، ولعلي أخبركم لاحقا.
تذكرت هذه الموقف ونحن نبتهج بإعلان بلادنا على لسان وزير المالية، الانتقال من مرحلة برنامج التوازن المالي إلى برنامج الاستدامة المالية، وكان في حديثه قد أشار إلى أن الهدف من التوازن المالي كان الوصول إلى الصفر من العجز، وجرى تحقيقه مع تحقيق فائض.
حسنا، لو أردت مزيدا من قرارات الاستدامة الشخصية في شكلها الشمولي، مثل شراء المنتجات القابلة للتدوير، والأثاث الذي مصدره غابات قابلة للتجدد، والغذاء العضوي، إلى آخر القائمة التي هي في الأغلب أكثر تكلفة من الخيارات الضارة بالبيئة التي تعيق الاستدامة، فعليك محاولة وضع برنامج شخصي للتوازن المالي، أي الوصول إلى النقطة صفر، بحيث لا ينتهي الشهر وميزانك بالسالب.
أعلم أن هذا ليس سهلا، خاصة مع تضخم الأسعار، وازدياد مسببات أو مغريات الاستهلاك، لكنه ليس مستحيلا إذا كنت من أصحاب الدخل الذي يمكنني عده "قابلا للسيطرة"، وليس من الأقل حظا الذين لا يمكن أن يهمهم هذا الكلام، فضلا عن محاولة تطبيقه.
افترض دوما أن ما تعيشه الآن على المستوى المالي هو ظرف مؤقت، قد لا يكون الأمر يسيرا في معظم الحالات والأوقات، لكن ضع نصب عينيك أنك ستخرج من هذا الحال إلى حال أفضل، حاول فقط اعتبار هذا الوقت هو الوقت المناسب للبدء، ومحاولة تنظيم حياتك لجهة الدخل والإنفاق.
الأفراد مثل الحكومات إلى حد كبير، لن يستطيعوا تحقيق استدامتهم الشخصية، ما لم يغيروا سياساتهم ويضعون خططا متوسطة وطويلة المدى، الحكومات تبدأ بإصلاحات هيكلية، وأنت عليك البدء بإصلاحات في أسلوب العيش وطريقته حتى فهم وإفهام من حولك غايته.
الاستدامة المالية تساعدك، كما ستساعد الحكومات، على تحقيق الاستدامة في كل شيء له علاقة بها، بإذن الله.