تقارير و تحليلات

"اقتصاد الفضاء" يجذب الباحثين عن الفرص .. سوق تتخطى 640 مليار دولار بحلول 2026

"اقتصاد الفضاء" يجذب الباحثين عن الفرص .. سوق تتخطى 640 مليار دولار بحلول 2026

"اقتصاد الفضاء" يجذب الباحثين عن الفرص .. سوق تتخطى 640 مليار دولار بحلول 2026

هبط الإنسان على سطح القمر لأول مرة في 1969، ومنذ ذلك التاريخ تغير المشهد، وانخفضت تكاليف إطلاق الرحلات الفضائية، وفتح هذا الباب أمام القطاع الخاص للولوج إلى عالم الفضاء، فالحكومات لم تعد الوحيدة القادرة على تحمل تكاليف تلك الرحلات، وبات في مقدور الشركات الخاصة إطلاق الصواريخ، ووضع الأقمار الصناعية في الفضاء الخارجي.
وبالفعل وفي مايو 2020 دخلت شركة سبيس إكس التاريخ كأول شركة خاصة ترسل بشرا إلى الفضاء، ولم يمثل هذا إنجازا تقنيا هائلا فحسب، بل مثل أول مؤشر على خطوات متسارعة في اتجاه نمو "اقتصاد الفضاء".
وبالطبع في المرحلة الأولى من هذا الاقتصاد الوليد، سيكون على الشركات الخاصة أن تعتمد أساسا على مؤسسات ووكالات الفضاء الحكومية لتعزيز موقعها في السوق، وسيكون على القطاع الخاص أن يحصل على عقود من تلك الوكالات ليبيع لها منتجاته، لأن "ناسا" ونظراءها من الوكالات الحكومية هي المصدر الأكبر للطلب على منتجات صناعة الفضاء.
ولكن مع تنامي قدرة القطاع الخاص على إرسال الأشخاص إلى الفضاء ستكون الشركات، على غرار "سبيس إكس" وغيرها، مستعدة لتلبية الطلب الجديد الذي لن يكون حصرا على المؤسسات والوكالات الحكومية، بل سنشهد تقزيما لدور الحكومات في هذا المجال بمرور الوقت لمصلحة القطاع الخاص.
وتشير التقديرات المتاحة إلى أن وجود أكثر من عشرة آلاف شركة حول العالم ونحو خمسة آلاف من كبار المستثمرين يشاركون في صناعة الفضاء، ولكن ما الذي يعنيه مصطلح اقتصاد الفضاء؟
يغطي المصطلح، وفقا للمصادر الأكاديمية المعنية بهذا المجال، "السلع والخدمات المنتجة في الفضاء لاستخدامها في الفضاء، مثل تعدين القمر أو الكويكبات بحثا عن مواد"، بينما تعرفه منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية بأنه أي نشاط يتضمن استكشاف وفهم وإدارة واستخدام الفضاء.
ومع إدراك الأهمية المستقبلية المقبلة لاقتصاد الفضاء، فإنه يلاحظ زيادة في الاستثمار المدعوم من الدولة في مشاريع الفضاء حول العالم، ففي 2021 كان هناك ارتفاع 19 في المائة في الإنفاق الحكومي الإجمالي على برامج الفضاء العسكرية والمدنية على مستوى العالم وهو أسرع معدل نمو منذ 2014.
ورفعت الهند إجمالي إنفاقها على الفضاء 36 في المائة، والصين بنحو 23 في المائة وضخت الولايات المتحدة استثمارات بزيادة قدرها 18 في المائة، وبما يعادل 12 في المائة من الإنفاق العالمي على الفضاء.
في الوقت ذاته، يسعى القطاع الخاص إلى اقتناص الفرصة فقد تجاوز تمويل القطاع الخاص للشركات العاملة في قطاع الفضاء عشرة مليارات دولار في 2021، وهو أعلى مستوى له على الإطلاق، كما أنه زاد بمقدار عشرة أضعاف على مدار العقد الماضي.
وتعد الدكتورة جيس كريس، الباحثة في علوم الفضاء والخبيرة في المركز الأوروبي لاتصالات وتطبيقات الفضاء، أن العالم أمام نهضة فضائية، حيث يعمل الابتكار التكنولوجي على خفض التكاليف بشكل كبير وتوفير إمكانات اقتصادية جديدة.
وتقول لـ"الاقتصادية"، "من المرجح أن تكون قيمة اقتصاد الفضاء وصلت إلى ما يوازي 500 مليار دولار العام الماضي، وقد بلغت نسبة التوسع في هذا الاقتصاد نحو 70 في المائة منذ 2010، وستشكل عائدات التصنيع وخدمات الإطلاق والمعدات الأرضية اغلبية نمو الإيرادات في قطاع الأقمار الصناعية، لكن أسرع معدل نمو سيأتي من التطبيقات والصناعات الفضائية الجديدة، وربما تصل الإيرادات إلى أكثر من 150 مليار دولار خلال أعوام".
مع هذا يشير الدكتور كريس كليمبنر، أستاذ الاقتصاد الدولي لـ"الاقتصادية"، إلى أن فهم التنامي المستمر في صناعة الفضاء يتطلب منا ضرورة التفرقة بين نوعين من الاقتصاد يتضمنهما مفهوم "اقتصاد الفضاء".
وفي هذا السياق، يشير إلى النطاق الأول من اقتصاد الفضاء، وهو "اقتصاد الفضاء مقابل الأرض" أي السلع أو الخدمات المنتجة في الفضاء للاستخدام على الأرض، ويشمل ذلك الاتصالات السلكية واللاسلكية والبنية التحتية للإنترنت وقدرات مراقبة الأرض، والأقمار الصناعية.
ومن وجهة نظره، فإن هذا الاقتصاد مزدهر بالفعل، وفي 2019 كان 95 في المائة من الإيرادات المحققة في "اقتصاد الفضاء"، وقدرت حينها بنحو 366 مليار دولار تأتي من اقتصاد الفضاء مقابل الأرض، ويؤكد أن التوقعات متفائلة بشأن هذا المجال، نتيجة انخفاض تكاليف الإطلاق والأجهزة الفضائية بشكل عام، ما مثل إغراء للوافدين الجدد إلى هذه السوق، وبدأت الشركات في التخصص في مجموعة متنوعة من الصناعات للاستفادة من تكنولوجيا الأقمار الصناعية والوصول إلى الفضاء لدفع الابتكار والكفاءة في منتجاتها وخدماتها الأرضية.
أما النطاق الثاني المتضمن داخل "اقتصاد الفضاء" فيعرف بـ "اقتصاد الفضاء مقابل الفضاء" أي السلع والخدمات المنتجة في الفضاء لاستخدامها في الفضاء مثل تعدين القمر والكويكبات لاستخراج مواد يمكن استخدامها للبناء في الفضاء، لكنه يضيف قائلا "حتى الآن لم يكن لدينا أكثر من 13 شخصا في الفضاء في وقت واحد، وهذا يعني أن اقتصاد الفضاء من أجل الفضاء وعلى الرغم من أن أبحاث وكالة "ناسا" تشير إلى إمكانية ظهور اقتصاد قائم على الفضاء من شأنه أن يلبي متطلبات ملايين البشر، الذين يعيشون في "الفضاء"، فإن الطريق لا يزال طويلا للغاية أمام هذا النطاق من الاقتصاد".
ويلاحظ في الوقت الحالي أن المشاريع الفضائية التجارية استحوذت على 77 في المائة من الإنفاق العام في المشاريع المتعلقة باقتصاد الفضاء العام الماضي، خاصة مع إطلاق عدد قياسي من المدنيين إلى الفضاء، وتم إنفاق ما يقرب من 138 مليار دولار على البنية التحتية ودعم مؤسسات الفضاء التجارية.
مع انتعاش الصناعات الفضائية تتوسع الأنشطة على الصعيد العالمي، وربما كانت السياحة واحدة من أبرز تلك الأنشطة، ويقدر الخبراء بأن قيمة سوق السفر والسياحة الفضائية سيبلغ 23 مليار دولار بحلول 2030، مع هذا، فإن جزءا مهما من العلاقة الراهنة بين صناعة الفضاء والسياحة الفضائية يتركز حول أشخاص يذهبون إلى الفضاء بحثا عن الإثارة والمتعة، ويعتقد الخبراء أن هذا النوع من الأنشطة سيتسع نطاقة خلال العقد المقبل، وسيمثل محفزا مستقبليا في الصناعة الفضائية وداعما رئيسا لها جراء الأرباح المحققة منه.
مع هذا، فإن الأوضاع الصعبة، التي يمر بها الاقتصاد العالمي هذا العام، التي يرجح بعضهم أنها ستمتد للعام المقبل، تدفع إلى التساؤل حول قدرة المؤسسات الحكومية والخاصة على مواصلة ضخ استثمارات في اقتصاد الفضاء، وسط بروز بعض الأصوات التي تطالب بإعادة النظر في سلم الأولويات.
الباحث الاقتصادي دي. إم استيفان يتوقع أن يستمر الإنفاق على الفضاء في الارتفاع، وأن ينمو اقتصاد الفضاء بما يتجاوز 640 مليارا بحلول 2026، ويستند في تقديره هذا إلى إطلاق 1022 مركبة فضاء في الأشهر الستة الأولى من العام الجاري، وكانت الأغلبية العظمي أي ما يعادل 958 مركبة قد تم إطلاقها بتمويل من القطاع التجاري.
ويرى دي. أم استيفان أن الضغوط الاقتصادية الحالية ستلعب دورا مهما في تعزيز التعاون بين الوكالات الحكومية المعنية بشؤون الفضاء وفي مقدمتها "ناسا" والشركات الخاصة الساعية إلى ترسيخ إقدامها في مجال اقتصاد الفضاء.
ويضيف لـ"الاقتصادية" "دائما ما كان هناك تعاون بين الطرفين، لكن الشراكة التجارية ستزداد قوة في ظل تعزيز التوجهات الراهنة لدى وكالات الفضاء الحكومية بمنح مزيد من العقود للشركات الخاصة، إذ يخفف ذلك كثيرا من الأعباء والضغوط على ميزانية الوكالات الرسمية، كما أن القطاع الخاص بات لديه كثير من القدرات المالية والفنية، التي تفيد في تحقيق مزيد من الإنجازات في اقتصاد الفضاء".

إنشرها

أضف تعليق

المزيد من تقارير و تحليلات