المملكة تستهلك ربع إنتاجها من الطاقة

تضاعف استهلاك المملكة الكلي من المنتجات النفطية والغاز الطبيعي والمسال خلال الفترة الممتدة بين عامي 1969 و2007 نحو 72 مرة، وهو ما يمثل معدل نمو سنوي مقداره 11.9 في المائة. وهذه النسبة من أعلى معدلات نمو استهلاك الطاقة على مستوى العالم. وارتفع معدل استهلاك الفرد السنوي من الوقود الأحفوري من 2.2 برميل تقريباً في بداية الفترة إلى أكثر من 40 برميلاً في نهايتها وبمعدل نمو سنوي مقداره 8 في المائة. وتصاعد بقوة الاستهلاك السنوي في الثمانية عشر الأولى من الفترة الزمنية 1969 - 2007 مقارنةً بالعقدين الأخيرين من الفترة الزمنية المحددة. وشهدت السنوات الممتدة بين عامي 1969 و1987 معدل نمو سنوي لاستهلاك الطاقة مقداره 20.5 في المائة، أما في العقدين الأخيرين من فترة المقارنة فقد تراجعت معدلات النمو، حيث بلغ متوسط النمو في العشرين عاماً الأخيرة نحو 4.6 في المائة. ومع حدوث هذا التراجع الكبير في معدلات النمو إلا أن النمو في العقدين الأخيرين مازال مرتفعاً، خصوصا أن معدلات دخل الفرد لم ترتفع كثيراً خلال العشرين عاماً الماضية. ويعتبر معدل استهلاك الفرد في المملكة في الوقت الحالي من أعلى معدلات استهلاك الأفراد للمنتجات النفطية على مستوى العالم. وتصنف المملكة في قائمة أعلى عشر دول عالمية في معدلات استهلاك الفرد للنفط. ومعدل استهلاك الفرد في المملكة يفوق متوسط استهلاك الأفراد في عدد من الدول المتقدمة بما في ذلك الولايات المتحدة واليابان وفرنسا.
ويعود ارتفاع معدلات استهلاك النفط والغاز الطبيعي والمسال في المملكة بشكل رئيسي إلى اعتماد المملكة بشكل شبه كلي على هذه المصادر من الطاقة، وإلى تدني أسعار هذه المصادر مما رفع من كثافة استهلاك الطاقة بالنسبة للناتج المحلي.
وترتفع في المملكة كثافة استهلاك الطاقة للناتج المحلي، حيث تستهلك المملكة نحو سبعة براميل من النفط والغاز يومياً للحصول على مليون دولار من الناتج المحلي في العام. وهذه النسبة مرتفعة وتبلغ أكثر من خمسة أضعاف كثافة استهلاك الطاقة في الدول المتقدمة. وقد تنخفض هذه النسبة قليلاً إذا استخدم معيار الناتج المحلي الإجمالي المعدل بالقيمة الشرائية المكافئة، ولكنها تظل عالية حتى بعد استخدام هذا المعيار. ويشير ارتفاع كثافة استهلاك الطاقة إلى تدني الحوافز لترشيد استهلاك الطاقة وعلى ارتفاع معدلات إهدار الطاقة، الذي يعود بالدرجة الأولى إلى تدني الأسعار المحلية لمنتجات النفط والغاز الطبيعي مقارنةً بالأسعار العالمية.
ويمثل الاستهلاك الحالي من المنتجات النفطية والغاز الطبيعي نحو ربع إنتاج المملكة من الطاقة، بعدما كان يمثل نحو 1 في المائة من الإنتاج النفطي عام 1969. ومن المعلوم أن "أوبك" لا تحدد كميات الصادرات، ولكن تحدد كميات الإنتاج، لهذا يأتي الارتفاع في حجم استهلاك النفط المحلي على حساب الصادرات النفطية. وقد أدى ارتفاع الاستهلاك المحلي في السنوات الماضية إلى تراجع مستوى الصادرات النفطية، على الرغم من عودة مستويات الإنتاج عام 2007 للصعود إلى مستوياتها القياسية عام 1980، فقد بلغ إجمالي صادرات النفط الخام والمواد المكررة مستوياتها القياسية عام 1980 حين وصلت إلى 3553 مليون برميل، بينما وصلت عام 2007 إلى 2957 مليون برميل.
وينظر إلى معدلات الاستهلاك التاريخية على كونها مؤشر لإمكانات النمو المستقبلية، خصوصاً إذا لم يكن هناك تغير جوهري في العوامل المؤثرة في النمو في استهلاك منتجات الطاقة. وهناك عدة سيناريوهات لتطور استهلاك الطاقة في المملكة، ولعل أشدها تشاؤماً هو استمرار معدلات استهلاك الطاقة على منوال المعدلات المسجلة خلال الـ 40 عاما الماضية، ومع أن هذا الاحتمال غير مرجح إلا أنه ليس مستحيلاً. فإذا واصلت معدلات استهلاك الطاقة النمو على وتيرة المعدلات العالية التي كانت سائدة خلال العقود الأربعة الماضية نفسها فسيتضاعف استهلاك المملكة كل نحو ست سنوات وهو ما يعني أن المملكة ستستهلك نصف إنتاجها الحالي خلال ست سنوات وقد تستهلك كامل إنتاجها الحالي خلال 12 عاماً. ولعل احتمالات بنمو معدلات استهلاك الطاقة بمعدلات قريبة من معدلات النمو خلال العقدين الماضيين تبدو أكثر واقعية، وخصوصاً في ظل النمو القوي في الصناعات المعتمدة على الطاقة النفطية والغاز الطبيعي والمسال كالبتروكيماويات والصناعات البلاستكية والأسمنت والحديد والألمنيوم، وكذلك في ظل انخفاض أسعار منتجات الطاقة المباعة محلياً والنمو السكاني القوي ومعدلات التنمية المرتفعة. لهذا فإن تأثير العوامل الحالية المؤثرة في نمو الاستهلاك مرشح للاستمرار مستقبلاً، ما يرجح استمرار نمو استهلاك الطاقة خلال الأعوام المقبلة بنسب تراوح بين 4 و5 في المائة سنوياً. وإذا ما تحققت معدلات النمو هذه فإن حجم استهلاك المملكة من النفط والغاز سيتضاعف كل 15 سنة، ما يعني استهلاكها نصف إنتاجها الحالي. وإذا استمرت معدلات النمو هذه، فإن المملكة ستستهلك كامل إنتاجها الحالي في غضون 30 عاماً.
وسيقود استهلاك المملكة جزءا كبيرا من إنتاجها أو معظمه إلى تراجع صادرات المملكة النفطية، خصوصاً إذا لم يعثر على اكتشافات نفطية ضخمة جديدة. وما لم يتم تعويض الصادرات النفطية بصادرات أخرى فستواجه المملكة صعوبة في تمويل وارداتها وسيتسبب هذا في حالة حدوثه ـ لا سمح الله ـ في تراجع كبير للنشاط الاقتصادي والإيرادات الحكومية المعتمدة على إيرادات الصادرات النفطية، فإيرادات المنتجات النفطية والغاز الطبيعي والمسال المباعة محلياً لا تكاد تغطي تكاليف الإنتاج والتكرير والتوزيع والتسويق. ولو كانت أسعار المنتجات النفطية المباعة محلياً غير مدعومة وكانت تستخدم لإضافة قيمة مضافة أعلى من القيمة المضافة المتحصلة من إنتاج الطاقة وتضيف صادرات أعلى قيمةً من قيمة صادرات الطاقة لكان من الأفضل زيادة استهلاك الطاقة محلياً، ولكني لا أعتقد أن هذا يحدث فعلياً. لهذا فإن هناك حاجة قوية لدراسة أنماط نمو استهلاك الطاقة ووضع سياسات لترشيد استهلاك الطاقة وتطوير مصادر أخرى للطاقة، إضافة إلى المصادر المتوافرة حالياً لدى المملكة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي