التزام الفندق بضمان سلامة العميل

في عددها الصادر يوم الثلاثاء 25/5/1430هـ الموافق 19/5/2009 نشرت جريدة "المدينة" خبرا مفاده أن المحكمة العامة في جدة تنظر دعوى تقدمت بها إحدى السيدات تطالب فيها بمبلغ خمسة ملايين ريال من أحد الفنادق الشهيرة في جدة تعويضا مقابل الضرر الذي أصابها في وجهها بسبب لدغة بعوضة أثناء إقامتها في الفندق, حيث تسببت لدغة البعوضة في ظهور حبوب أدت إلى تشوهات في وجهها وأن أصحاب الفندق تعهدوا بتحمل تكلفة علاج المرأة على قدر الضرر الذي أصابها.
وبمناسبة هذا الخبر أود أن أسلط بعض الضوء على التزامات الفندق بضمان سلامة العملاء والنزلاء, فأشير إلى أن بعض أساتذة القانون المدني تناولوا حقوق والتزامات الفنادق إزاء النزلاء في مؤلفات خاصة بهذا الشأن, منها كتاب "التزامات الفندق ومسؤوليته المدنية في مواجهة السائح أو العميل" للدكتور أحمد السعيد الزقرد الأستاذ في كلية الحقوق في جامعة المنصورة في مصر, حيث أوضح أن الفندق ملزم قانونا باتخاذ جميع الإجراءات والتدابير المعقولة اللازمة لمنع وقوع حوادث تمس سلامة النزيل أو العميل سواء داخل الغرفة أو أثناء تجوله في ردهات الفندق وملحقاته مثل حديقة الفندق, بل يشمل هذا الالتزام ضمان سلامة النزيل على المائدة, بمعنى سلامة الأغذية والمشروبات التي تقدم له.
وتطبيقا لذلك حكمت إحدى المحاكم الفرنسية بأن صاحب الفندق يعد مسؤولا بالتعويض عن الأضرار التي لحقت بالنزيل جراء انزلاق قدمه على قشرة من الفاكهة في ردهة الفندق, فوقع على الأرض وانكسرت ذراعه. وفي قضية أخرى أصدرت محكمة فرنسية حكما يقضي بمسؤولية صاحب الفندق عن واقعة سقوط العميل على ملحق بمبنى الفندق, ولم يثبت أي خطأ في جانب العميل وتبين من التحقيق أن مدخل السلم مظلم دون إضاءة لحظة وقوع الحادث. ومعنى ذلك أن صاحب الفندق يقع على عاتقه عبء الالتزام بتوفير سبل الراحة والأمان أثناء مدة إقامة النزيل أو السائح أو العميل, ويدخل ضمن ذلك تجهيز الإضاءة الكافية في الأماكن التي يرتادها العملاء, وأن يتخذ جميع الاحتياطات الضرورية والمعقولة التي يتخذها مهني محترف تقديم المأوى مع الطعام والشراب محافظة على سلامة النزلاء, كما يلتزم بمراجعة هذه الإجراءات الآمنة كل فترة زمنية بما يؤدي إلى المحافظة على سلامة وحياة النزيل أو العميل, وتطبيقا لذلك حكمت إحدى المحاكم الفرنسية بأن صاحب الفندق يعتبر مخالفا لهذا الالتزام إذا ترك مدخنة معيبة للمدفأة في الغرفة التي يقيم فيها النزيل أدت إلى اختناقه.
على أن التزام الفندق بضمان سلامة النزيل أو العميل مرهون بأن يكون النزيل أو العميل قد بذل عناية الشخص متوسط الذكاء حتى يتجنب الضرر, وبالتالي حكم بأن العميل الذي يلقي بنفسه في مواطن التهلكة أو الذي لم ينتبه لحراسة نفسه لا يمكنه أن يلقي عبء المسؤولية على عاتق صاحب الفندق.
وهكذا حكم في إحدى القضايا التي نظرها القضاء الفرنسي بأن عميل الفندق يتحمل جزءا من المسؤولية عن واقعة إلقاء نفسه من نافذة الدور الأول عقب إعلان احتراق الفندق.
ويشير الدكتور أحمد السعيد الزقرد إلى أهم الاحتياطات الوقائية التي يلتزم صاحب الفندق باتخاذها, منها: إعلام العملاء والرواد عن أماكن الخطر, ووسائل توقي هذا الخطر, ويتم ذلك عادة عن طريق لافتات إرشادية في مدخل المنشأة, وتأكيدا لذلك حكم بأن صاحب الفندق يلتزم في مواجهة النزيل أو العميل بالتعويض عن واقعة عدم قيامه بوضع لافتة تنبه النزلاء والعملاء إلى وجود بروز في الدرجة الأخيرة من السلم اصطدمت بها قدم النزيل واختل توازنه فسقط, وأصيب بكسور في عظامه, كما اعتبر صاحب الفندق مسؤولا مسؤولية كاملة عن الحادث الذي راح ضحيته السائح أثناء عودته إلى غرفته بعد العشاء في وقت متأخر من الليل فسقط في حوض تربى فيه الأسماك في الطريق المؤدي إلى الجراج. كما حكم بمسؤولية صاحب الفندق عن الإخلال بالالتزام بضمان السلامة عن واقعة سقوط العميل من أعلى سلم الفندق نتيجة انزلاق قدمه على قشر الفاكهة لتخلف الإضاءة وعدم نظافة أرضية المنشأة. وفي حكم لمحكمة Orieans أن عقد النزول في الفندق يوجب على صاحبه اتخاذ الاحتياطات اللازمة كافة لمنع ما قد يتعرض له النزيل من مخاطر أثناء سيره أو تجوله في الفندق, ولما كان صاحب الفندق لم يقم بإنارة الفناء بدرجة كافية ما نجم عنه سقوط النزيل وإصابته أثناء عودته إلى حجرته وجب على صاحب الفندق تعويض النزيل عما أصابه من ضرر, وأساس الالتزام هو العقد الذي يوجب تمكن النزيل من الانتفاع بغرفته وضمان سلامته.
ويخلص المؤلف من ذلك كله إلى "أن أحد الواجبات الأساسية التي تقع على عاتق صاحب الفندق توفير السلامة المطلقة للعملاء الذين عهدوا بأنفسهم عنايته وهو في ذلك كما تقول محكمة استئناف باريس يشبه أمين النقل الذي يتحمل التزاما بضمان سلامة الأشخاص الذين يتولى نقلهم. وفي حكم قديم لمحكمة RIOM أن صاحب الفندق يتعهد ضمنا لنزلائه بضمان سلامتهم طوال فترة إقامتهم في منشأته, وهذا الالتزام يتفق تماما وطبيعة العقد الذي أبرمه معهم, ولا يعفى من هذا الالتزام إلا بتقديم الدليل على أن الحادث وقع بسبب أجنبي لا يد له فيه وعلى الخصوص خطأ العميل, فعقد الإقامة الفندقية يتولد عنه التزام صاحب الفندق بتحقيق نتيجة محددة هي مغادرة السائح أو العميل المنشأة الفندقية سليما معافى كما دخل تماما".
ونكتفي بهذا القدر من بيان موقف القانون المدني المقارن حيال مسؤولية والتزامات أصحاب الفنادق بشأن سلامة النزلاء والعملاء. ونشير في الختام إلى أن نظام الفنادق السعودي الصادر بالمرسوم الملكي رقم م/27 وتاريخ 11/4/1395هـ ولائحته التنفيذية حددا التزامات الفنادق منها توفير وسائل التطهير والتبخير اللازمة للمحافظة على النظافة واتخاذ الإجراءات والاحتياطات اللازمة لحماية الممتلكات ووقاية النزلاء والمترددين والمستخدمين من الأخطار. يضاف إلى ذلك أن قواعد الشريعة الإسلامية السمحة تقرر أن كل ضرر يصيب جسم الإنسان يلزم المتسبب فيه بالتعويض, ولذلك فإن صاحب الفندق مسؤول عن الضرر الذي يصيب النزيل أو العميل نتيجة الإهمال في المحافظة على نظافة الفندق أو التقصير في اتخاذ الاحتياطات اللازمة لدرء الأخطار عن العملاء والنزلاء.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي