نهاية دول الطوائف ومعها نهاية المعتمد بن عباد
في عام 1085م، الموافق 479 هـ سقطت طليلطة عاصمة شبه الجزيرة الأندلسية، وأصبحت دول الطوائف في كفة القدر، وهنا دب الرعب في مفاصل ملوك دول الطوائف، وهو ما يذكر أيضا بكارثة غزة شتاء 2009م واجتماع قادة الدول العربية في محاولة تبين حجم الكارثة الداخلية، يومها أطلق ابن عباد المعتمد قولته الشهيرة؛ رعي الجمال أحب إلي من رعي الخنازير!
وانطلق وفد إلى يوسف بن تاشفين طالبين النجدة، وهم يعلمون أنها نهاية دولهم وقد كان.
جاء ابن تاشفين وانتصر في معركة الزلاقة 479هـ، الموافق 1086م، أما طليلطة فقد أصبح اسمها توليدو منذ ذلك الوقت، وزرتها أنا في إسبانيا فعرفت مناعتها من نهر التاجة ومناعة الأسوار المزدوجة.
ولكن نصيب المعتمد كان حبسا وقهرا وذلا مترعا؛ فمات في الحبس ومعه حبيبة قلبه اعتماد الرميكية التي رافقته في نعيمه وبؤسه، وقد زرت قبرهما في أغمات، فلم أتمالك نفسي من البكاء.
دفن المعتمد مع الرميكية في أغمات، وهي مدينة أثرية مغربية تقع على بعد 30 كلم من مراكش، ويتم الوصول إليها عبر طريق غير معبدة طولها كيلومترين.
تعتبر مدينة أغمات الأثرية من أهم حواضر المغرب الإسلامي خلال العصر الوسيط الأعلى كعاصمة إدريسية مزدهرة. استقر بها المرابطون أثناء زحفهم نحو المغرب الشمالي، ولم يبرحوها إلا بعد اتخاذ قرار تشييد مدينة مراكش سنة 454 هـ، الموافق 1062م.
وعلى عهد يوسف بن تاشفين اتخذت أغمات مقرا له، وكذلك لإقامة ونفي ملوك الطوائف بعد توحيد بلاد الأندلس، خاصة المعتمد بن عباد، ملك أشبيلية، وهو من أصل عربي عريق، إذ كان من نسل المنذر بن ماء السماء، وجده عباد قاضي أشبيلية، ثم قوي نفوذه حتى صار ملكها.
وكان له سمت الملوك وأخلاقهم وطريقتهم وهيبتهم. وكان كريماً، وشاعراً حكيماً، أديباً. وكان يوصف بأنه من أندى الملوك راحة وأرحبهم ساحة. و بابه محط الرجال وكعبة الآمال. وله شعر غاية من الحكمة والرصانة والجمال.
وقد عاش ابن عباد في أيام ملوك الطوائف وهم ملوك تقاسموا الدولة الأموية في الأندلس، وحكم كل واحد منهم جزءاً أو دويلة حتى بلغ مجموع تلك الدويلات إحدى وعشرين دولة، لكل دولة منها عرش وملك وجيش ضعيف، وللمعتمد أخبار وأحداث كثيرة في حياته مع يوسف بن تاشفين، ومنها أنه بعدما ساءت العلاقة بينهما حاول ابن تاشفين الاستيلاء على مملكة بن عباد، لكن المعتمد قاوم جيش ابن تاشفين بعد أن أبلى في الدفاع عن مملكته أعظم البلاء، ونزل المعركة دون شيء يصد عنه وقع السهام، سوى قميص أبيض وقد رماه أحد الجنود البربر بحربة فتظاهر أنه أصيب ثم انقض على الرجل فطوح به وقتله وقد قال في تلك المعركة أبياتاً حين دعاه أحد المشفقين عليه إلى الخضوع والمصالحة فقال هذه القصيدة الجميلة :
قالوا الخضوع سياسة فليبد منك لهم خضوع
وألذ من طعم الخضوع على فمي السم النقيع
قد رمت يوم قتالهم ألا تحصنني الدروع
وبرزت ليس سوى القميص عن الحشا شيء دفوع
أجلي تأخر لم يكن بهوايَ ذلي والخشوع
ما سرت قط إلى القتال وكان من أملي رجوع
شيم الأولى أنا منهمو والأصل تتبعه الفروع
بقي المعتمد أسيرا في أغمات حتى الموت مع حبيبته اعتماد التي سبقته إلى الموت مرضا وقهرا، وطلب أن يكتب على قبره الأبيات التالية:
قبر الغريب سقاك الرائح الغادي حقا ظفرت بأشلاء ابن عبـــــــــــاد
بالحلم بالعلم بالنعمى إذا اتصلت بالخصب إن أجد بوابا لري للصادة
نعم هو الحـــــق حاباني به قدر من السماء فوافاني لميـــــــــــعاده
لم يكن أمامي وأنا أقرأ شعره الباكي إلا أن أبكي وأصلي في فناء ضريحه ركعتين أدعو لروحه كما أدعو كل يوم لروح حبيبتي ليلى سعيد بالسلام الأبدي والسعادة السرمدية.