خواطر روائية سينمائية

تأخذك الروايات إلى عوالم مختلفة، تغوص بك في ثقافات لم تكن يوما لتعرف عن تفاصيلها العميقة، تصيبك البهجة ممزوجة بالدهشة عند التعرف على مجتمعات جديدة عبر رواية جيدة. حدث لي ذلك مثلا مع رسول حمزاتوف الذي عرفني على بلده داغستان، ومع حجي جابر الذي عرفنا على عوالم الحبشة وإريتريا عبر أكثر من عمل.
ربما تكون العوالم اللاتينية والسوفياتية والأوروبية مرت كثيرا علينا لغزارة الإنتاج المترجم من روائيين من هذه الثقافات الثلاث، فتكون دهشة الاكتشاف الأولى لهذه المجتمعات شبه منعدمة كما تقرأ للمرة الأولى عن هايتي من الداخل، من داخل العمق الاجتماعي والسياسي مثلما حدث لي مثلا مع رواية حفلة التيس لماريو بورغاس يوسا.
أحاول أحيانا تحديد موقفي من الروايات التي تقتلها بعض الأفلام، أو تلك التي تفوقت عليها الأفلام التي صنعت ارتكازا عليها، ويبقى الحكم مسألة ذوقية، وهو أيضا مسألة تعتمد على اختلاف حواس التلقي ومدارك تلمس الإبداع.
القراءة تجربة روحية عميقة، خاصة إذا كنت محظوظا بالوقوع على روايات رائعة عميقة تجعلك تقف وتجلس، أو تقهقه لوحدك، أو تنزوي في ركنك لتبكي، تحرك كوامن شغفك المعرفي، وتطربك لغتها، وتدهشك روابط أحداثها، أو قدرة مبدعها على ربطك بفكرة حتى النهاية.
مشاهدة الرواية نفسها كفيلم سينمائي هو تجربة بصرية سمعية بالدرجة الأولى، فالمؤثرات البصرية والمحتوى المرئي، والموسيقى بالطبع دائما ما تجعل كثيرا من الحواس تعمل معا من أجل الحصول على تجربة كاملة للحواس، ويبقى أن الذائقة الشخصية هي الفيصل حتى لو اتفقت الذائقة الجمعية على تفوق أفلام معينة على رواياتها مثل شبه الاتفاق على أفلام "العراب"، و" قائمة تشندلر" و"صمت الحملان" و"ملك الخواتم" وغيرها.
جالت كل هذه الخواطر وأنا أختم رواية "عداء الطائرة الورقية" لخالد حسيني، رواية جميلة وعميقة تأخذك إلى العوالم الأفغانية قبل الغزو السوفياتي، وبعده، قرأتها بعد أعوام من مشاهدة الفيلم الذي صنع ارتكازا عليها، ورأيتني أتأكد من قناعتي السابقة أن لا مؤثرات أو صنعة تتفوق على الكتابة، ولا شيء يضاهي إحساس القارئ بالكاتب مهما تطورت الصنعة السينمائية.
أعترف أنني اشتريت الرواية لأنها بدت لي من الأعمال المهمة التي فاتتني، فقد سمعت عنها كثيرا، وكنت في حالة غفلة أو نسيان عن مشاهدتي الفيلم الذي عرفت وأنا في منتصفها أنه لم يكن على مستوى الرواية.
يبقى التساؤل: أيهما أفضل قراءة الرواية ثم مشاهدة الفيلم الخاص بها أم العكس؟

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي