هل تغذي معاقبة روسيا العدوى المالية؟ «2 من 2»

قد لا تقل الآثار المرتدة المترتبة على العقوبات الاقتصادية عن ذلك أهمية. مرة أخرى، بوسعنا أن نتعلم كثيرا من تقييم الحرب التجارية الدائرة بين الولايات المتحدة والصين. إضافة إلى الانخفاض الحاد في صادرات الولايات المتحدة إلى الصين والانحدار المماثل في الواردات الأمريكية من الصين، وجد بحـث أجراه بنك الاحتياطي الفيدرالي في نيويورك، بالتعاون مع جامعة كولومبيا أن الشركات الأمريكية خسرت ما لا يقل عن 1.7 تريليون دولار من قيمة أسهمها بسبب فرض الرسوم الجمركية الأمريكية على الواردات الصينية. كما تأثرت الأسر الأمريكية، حيث لم يطرأ أي تعديل تلقائي على الأسعار وأسعار الصرف لحماية المستهلكين.
في الصين، تسببت التأثيرات المرتدة المترتبة على الصراع التجاري في التعجيل بتباطؤ الاقتصاد، ما زاد احتمال حدوث هبوط حاد. يستهدف المسؤولون الصينيون نمو الناتج المحلي الإجمالي بنحو 5.5 في المائة هذا العام - وهذا أبطأ معدل منذ عقود، باستثناء التباطؤ المرتبط بالجائحة عام 2020. وقد يخلف هذا تأثيرات سلبية كبيرة على بقية العالم، خاصة الدول النامية التي يعتمد أغلبها على الصين باعتبارها أكبر شريك تجاري لها.
في أزمة أوكرانيا، سعت الاقتصادات الأوروبية التي تعتمد بشكل كبير على الطاقة الروسية إلى التخفيف من التأثيرات المرتدة الناجمة عن العقوبات من خلال عدم توسيع الإجراءات لتشمل صادرات روسيا من المواد الهيدروكربونية أو البنوك الروسية المشاركة في تجارة الطاقة. لكن عديد من الشركات الأوروبية في صناعات أساسية أخرى معرضة بشكل مباشر لروسيا ستتأثر بشكل كبير. في قطاعي النقل والخدمات اللوجستية، قد يواجه عديد من الشركات السليمة ماليا خطر الإفلاس إذا ظلت العقوبات الصارمة واسعة النطاق سارية فترة مطولة.
حتى في الأمد القريب، تسببت العقوبات ضد روسيا في إلحاق أضرار جانبية كبيرة، مع تسبب ضغوط الأسعار المتصاعدة في زيادة ضعف عديد من الاقتصادات داخليا وخارجيا. في الوقت ذاته، وعلى نحو لا يخلو من مفارقة عجيبة، يعمل انتعاش سوق السلع الأساسية الذي تغذى على العقوبات على إدامة تدفق النقد إلى روسيا من أوروبا لتغطية واردات القارة الأساسية من الطاقة.
الآن، تعمل نوبة جديدة من ارتباكات سلاسل التوريد بالفعل على إثارة الضغوط التضخمية، ما يزيد ضعف التعافي بعد الجائحة ويدفع خطر الركود التضخمي إلى الارتفاع في أوروبا. في الوقت ذاته، تهدد معاقبة روسيا بتفاقم أزمة الديون، وقد تمهد الساحة لأزمة مالية أطول أمدا. وسيتفاقم خطر انتقال العدوى بدرجة كبيرة إذا لم تتم عملية تسوية مقايضات التخلف عن سداد الائتمان بسلاسة في حالة التخلف عن سداد السندات الروسية، أو إذا أنذرت العقوبات بعملية إعادة تخصيص واسعة النطاق للأصول العامة للتحوط ضد عولمة المخاطر السياسية.
إن الصراع الدائر من أجل ترسيخ التفوق الجيوسياسي يعني أن الدول القوية ستستسلم على نحو متزايد لإغراء استخدام العقوبات الاقتصادية لتحقيق أهدافها الاستراتيجية. في عالم يتسم بالترابط والاتكالية المتبادلة على الصعيدين الاقتصادي والمالي، ستجعل مثل هذه التدابير الأزمات الاقتصادية الناجمة عن سياسات بعينها أكثر تواترا، وسيعاني كل دول العالم العواقب.
يتمثل أحد التحديات الرئيسة التي تواجه العالم في العقد المقبل، في ضمان عدم حلول المصالح الجيوسياسية لأي دولة - محل السعي - إلى تحقيق الازدهار العالمي. وما لم ننجح في التصدي لهذا التحدي فقد تفوق مخاطر العولمة كل فوائدها. لا شك أن الدبلوماسية تظل البديل الأفضل لأسلحة الدمار الشامل الاقتصادية.

خاص بـ «الاقتصادية»
بروجيكت سنديكيت، 2022..

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي