القصيبي .. وخارطة الطريق

شاهدة على حسن التصرف والذكاء التجاري والإيثار وحرص التاجر المسلم على نفع المجتمع.. ها هي بئر عثمان تنزح بمائها حتى اليوم مسقية البشر والشجر، وقصتها أنها كانت ليهودي اسمه أرومه يبيع المياه بثمن باهظ، فقال الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ: " من يشتري بئر رومه فيجعل دلاءه مع دلاء المسلمين بخير له منها في الجنة" فحاول عثمان ـ رضي الله عنه ـ شراءها وفاوض اليهودي إلاّ أنه رفض، فما كان من عثمان – رضي الله عنه - إلاّ استخدام حسن التصرف والذكاء الملهم فعرض شراء نصف البئر، بيوم له ويوم لليهودي ، فإذا كان يوم عثمان أخذ المسلمون من الماء ما يكفيهم يومين دون أن يدفعوا شيئا ، فلما رأى اليهودي ذلك جاء إلى عثمان وباع له النصف الآخر وتبرع عثمان بالبئر كلها للمسلمين ، وفاز عثمان بما أراد حيث أوجد المعادلة الصحيحة بحنكة واقتدار.
فحينما أكد الدكتور غازي القصيبي أن وزارته وزارة توظيف وليست وزارة استقدام .. فقد أوجد ركناً مهماً في معادلة حل البطالة، وحينما أعلن عن توجّه وزارته إلى تنفيذ برنامج تنسيقي بين صناديق تمويل المشاريع الصغيرة لتوفير فرص عمل للشباب والشابات السعوديات، بهدف التنسيق ونقل الخبرات بين هذه الصناديق للحد من الازدواجية، وبهذا التوجيه أوجد ركناً آخر في المعادلة نفسها.
وأنا مع الوزير فيما قال:" أتمنى ألاّ يفكر الشباب السعودي أن الوظيفة هي الأساس الأول والأخير – وخصوصاً الوظيفة الحكومية – في القضاء على البطالة ، بل يجب على كل شاب أن يفكر في مشروع فردي يعمل فيه ويعمل فيه أبناء وطنه " .. ولكنني أتساءل : هل كل الشباب مؤهلون للعمل كتجار ؟ وكيف نوجد له المشروع الجاهز والخبرة الملائمة والرعاية القوية ...؟
وهذا النهج الرائع .. يحتاج إلى خارطة طريق متقنة جداً ، تتجاوز المعوقات الاجتماعية والاقتصادية في آن واحد .. وتقفز على مخرجات التعليم والتدريب وتخفض من المخاطرة وحسابات التكاليف لدى التجار وتحقق طموحات واحتياجات الشباب والفتيات، ليكون الحل في اكتمال أركان معادلة شبه سحرية.
إنني على يقين بأن وزارة العمل قادرة على تصميم برامج الامتياز التجاري
(الفرنشايز) ليكون منتجا جاهزا للشباب والفتيات ولتدعم هذه الصناديق هذا المنتج حتى يجد التجار ضالتهم – خصوصاً – في مناطق ليست قريبة من مراكزهم الرئيسية ، ويجد الشباب أنفسهم أمام مشروع اجتمعت فيه سبل الدعم وتوافرت له الخبرة الواعية والاسم التجاري المميز والسمعة القوية في السوق .. فينطلق المشروع بسرعة أكبر وبأقل مخاطر تذكر.
بهذا الحل – إذا تم تفعيله – نضع للتاجر حوافز تحقق له الكثير من الفائدة بدلاً من فرض الشباب والفتيات على تكاليفه مما قد يحسبه مغامرة مالية ويقع عليه أعباء النجاح والفشل .. ونوجد للشاب والفتاة مشروعه الخاص والجاهز مما يعطيه حرص ومثابرة المالك .. ونكون قد صنعنا علاقة تكاملية متوازنة الكل فيها رابح ، وسيتفاعل الكثير منهم في هذا الاتجاه، خصوصاً أن أبواب النجاح مشرعة أمامهم .. وبعد سنوات ستكون لهم مشاريعهم الأكثر خصوصية المبنية على تجربة الفرنشايز السابقة ..وما استفادوه منها ، وأكاد أجزم أنه حتى الملاّك والمؤجرين سيقدّمون مميزات لإنجاح هذه التجربة، خصوصاً في مدينة رسول الله ـ صلى الله عليه وسلّم ـ والتي باسم تجارها نقدم خدمات وإمكانيات الغرفة التجارية الصناعية في المدينة المنورة لتكون طرفاً فاعلاً ومؤثرا في صناعة عقد متوازن يمثل إضاءة بارقة، ونتمنى أن تكون ( طيبة ) النموذج الأول في تطبيق وتأصيل هذه التجربة كما هو ديدنها وتاريخها وبركتها .. ( والمدينة خير لهم لو كانوا يعلمون ).

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي