البحث والتطوير لتحسين القدرة التنافسية
بات رفع مستوى القدرة التنافسية عالمياً للقطاع الخاص أمراً ملحاً أكثر من أي وقت مضى لأن القدرة التنافسية للوطن ككل تُستمد من القدرة التنافسية لمنشآت الأعمال. فعملية تحسين القدرة التنافسية لمنشآت القطاع الخاص ليست أمراً يتعلق بمستوى إداري معين أو بمرحلة معينة من سلسلة الإنتاج، بل هي عملية مستمرة تتعلق بالمنشأة ككل وبتغيير المفاهيم القديمة السلبية إلى مفاهيم اقتصادية إيجابية تأخذ زمام المبادرة وتسعى إلى قيادة القطاع الذي تعمل فيه بالاعتماد على الموارد الداخلية والبيئة المحيطة في تطوير القدرة التنافسية التي تصب في تحسين القدرة التنافسية للاقتصاد الكلي.
فمن الجانب الإداري، يجب أن تعيد منشآت القطاع الخاص الوطنية النظر في الهيكل الإداري والتنظيمي ليكون عاملاً مساعداً في انسياب المعلومات من الإدارة العليا نزولاً، ومن خطوط الإنتاج أو التوزيع إلى الإدارة العليا في عملية تغذية عكسية تضيف إلى معايير الأداء مؤشرات تساعد على تقييم سير العمل وتقويم الاختلالات. ومن المهم التأكيد على أن يتم تنفيذ عملية صياغة المفهوم الإداري ليتناسب مع مفاهيم تعزيز القدرة التنافسية عن طريق إدخال نظم معلومات إدارية تؤدي إلى رفع كفاءة متخذ القرار، وضوح الرؤية وتوافر المعلومات اللازمة لاتخاذ القرار الصائب في الوقت المناسب. وبالإمكان تكثيف استخدام نظم المعلومات الإدارية ورفع مستوى الأتمتة من خلال خطة إعادة الهيكلة وبرنامج تحفيز القدرة التنافسية المرسوم.
ولاعتماد الأداء الإداري بالدرجة الأولى على الموارد البشرية، يتحتم على المنشآت التي تهدف لتعزيز قدرتها التنافسية تشجيع الإبداع في العمل وابتكار طرق جديدة لسير العمل ترفع من الإنتاجية والكفاءة التشغيلية، إضافة إلى توفير برامج التدريب المناسبة والمستمرة لرفع أداء جميع الموظفين على أن يتم تضمين مفاهيم التطوير الذاتي والقدرة التنافسية في برامج التدريب استنادا إلى مبدأ "تنافسية المنشأة تنبع من تنافسية الموظفين". ومن المهم الاستفادة من تقنيات الإدارة الحديثة لربط جميع مراحل العملية الإنتاجية إدارياً ومعلوماتياً بما يصب في مصلحة تعزيز القدرة الإنتاجية.
وفيما يتعلق بأساليب الإنتاج، تبرز القدرة على التفوق في المنافسة عند تمكن المنشأة من ترشيد الإنفاق وتخفيض التكاليف عن طريق اتباع استراتيجية إنتاجية تحسن استخدام نقاط القوة كاقتصاديات الحجم، أو عند التمكن من الوصول إلى قدرة إنتاجية عالية تتسم بالمرونة والقدرة على مراقبة الجودة ضمن إطار إدارة الجودة الشاملة Total Quality Management.
ونظراً لكون معظم المنشآت التنافسية على مستوى العالم تتمتع بقدر عال من الميكنة، وبإنفاق كبير على البحث والتطوير، وجب على منشآت القطاع الخاص السعودي السعي لتمايز المنتجات بتحسين الجودة واستحداث مواصفات وخصائص لا تتوافر للمنتجات المنافسة. وبسبب وجود علاقة طردية بين الإنفاق على التطوير والبحث وبين تحسن القدرة التنافسية للمنتجات والخدمات، باتت زيادة مخصصات الإنفاق على البحث والتطوير وإنشاء مراكز الأبحاث داخل الشركات أمراً حتمياً للظفر بقيادة السوق وتشكيلها عن طريق تحسين القدرة التنافسية.
وبالرغم من كون مرحلة التسويق لاحقة لمرحلة الإنتاج، إلا أن قيادة العملية الإنتاجية هي بيد العملية التسويقية، حيث تتم دراسة السوق المحلية والدولية لتحديد مواصفات ومميزات واحتياجات السوق المستهدفة من ناحية حجم الطلب المستقبلي المتوقع، مرونة الطلب المتوقع، مدى تقلب الاحتياجات والذوق العام وغير ذلك بهدف الوصول إلى تصور يقود إلى تحديد أرقام دقيقة ومواصفات معينة يُطلب من "العملية الإنتاجية" توفيرها حينئذ. وتشير الأدبيات الكلاسيكية للقدرة التنافسية إلى أن التنافس بتخفيض الأسعار، وتمايز المنتج هما الطريقان الرئيسيان للحصول على قدرة تنافسية تفوق قدرة المنافسين، مما يشير إلى أن تحديد القدرة التنافسية في الأدبيات الكلاسيكية كان أمراً تسويقياً بحتا،ً بينما تنظر الأدبيات الحديثة لمفهوم القدرة التنافسية على أنه مفهوم استراتيجي يتعلق بكل عملية من عمليات المنشأة، وقد يكون الفرق بينهما في إمكانية استدامة القدرة التنافسية، لا في الحصول عليها.
وأخيراً، على الرغم من تواجد منشآت القطاع الخاص السعودي في الأسواق الدولية عن طريق الوفود والمعارض الدولية بهدف تحسين الصادرات وفتح أسواق جديدة، إلا أن الحاجة تبرز إلى اعتبار التواجد الإلكتروني خيارا استراتيجيا، حيث يعد فضاء الإنترنت والتجارة الإلكترونية من قنوات التسويق والبيع الأكثر نمواً في العالم. ومن هنا يجب أن تشتمل عمليات البحث والتطوير على دراسة متعمقة لمواصفات السلع والخدمات المطلوبة من قبل المستهلك العالمي بناء على المعايير الدولية ومحددات الطلب العالمي. وتجدر الإشارة إلى أهمية الاستفادة من نظم إدارة المخزون، نظم التموين، ونظم التنسيق ليصل المنتج أو الخدمة إلى المستهلك في الوقت المناسب وبما يشبع رغباته.