تأنيث المحال النسائية

تعودنا على الاتكالية، وعادتنا السلبية هذه أدت إلى تشجيع كل صاحب مصلحة خاصة لتغليبها على مصلحتنا العامة ما دمنا لا نبدي رفضا ولا مواجهة ولا دفاعا عن حقوقنا، وكان الله في عون الدولة حين نرمي عليها بكل المسؤولية ونقف نحن سلبيين لا نعينها وندعم قراراتها في وجه كل مستنفع يسعى إلى إفشال قرار لا يخدم مصلحته الذاتية، وخير مثال على ذلك قرار مجلس الوزراء الموقر رقم 122 الصادر عام 1422هـ، والقاضي بتأنيث العاملين في محال المستلزمات النسائية، والمؤسف أن هذا القرار منذ صدوره قبل عدة سنوات لم يطبق، حيث أجل تطبيقه بداية عام 1426هـ، وقبل حلول الموعد بعدة أسابيع تم إلغاؤه.
منذ صدور ذلك القرار وتكليف وزارة العمل بتطبيقه بحكم أنه ضمن مهامها ومسؤوليتها، ومن ثم التلكؤ بتطبيقه قبل أن يلغى بالصمت التام ونسيانه تماما، على الرغم من أهميته البالغة وارتباطه بحاجات نسائية ملحة إحداها إتاحة الفرصة لتشغيل الفتيات في عمل نسائي كامل، والثانية حماية خصوصية المرأة من تطفل الرجل، بل مضايقاته لها, أكتفي فقط بمطالبات خجولة وغير فاعلة لتطبيقه، وهو ما أبطل أي مفعول لهذه المطالبات وفرغها من أي قيمة، حتى جاء هذا التحرك النسائي المنظم من أصحاب الشأن وهن النساء للضغط من أجل تطبيق القرار، وهو تحرك سيكون فاعلا ويرفع صوت المرأة عاليا وهي تدافع عن خصوصيتها، وحسن فعلن، خصوصا قرارهن بمقاطعة المحال النسائية التي لن تنصاع للقرار، وإحراج وزارة العمل التي عجزت عن تطبيقه طوال السنوات الماضية.
عندما صدر القرار المعني بمنع الرجال ممارسة مهنة البائعين في محال تبيع المستلزمات النسائية، وهو ما يعني من جانب آخر إحلال بائعات محلهم، أثار كثيرا من ردود الأفعال أغلبها كان مؤيدا، وخصوصا من أوساط النساء، وقلة كانت معارضة بحجج واهية مثل صعوبة تأمين بائعات من النساء لديهن الدراية والخبرة في العمل، ومصدر هذا الاعتراض جاء تحديدا من التجار الذين طالبوا بداية بمهلة استغلوها لتجميده فيما بعد بنفوذهم، وظهرت أصوات دينية لاحقا بدا في الظاهر أنها تؤيد التجار وتعترض على القرار وتطبيقه، وهو ما استغل فعلا واعتمد عليه بتمييعه، ولكنها لم تكن ضد القرار ذاته بقدر ما طالبت بأن يطبق وفق معايير محددة، خصوصا وأن الفتيات اللاتي سيعملن في هذه المحال قد يتعرضن لمضايقات رجالية وهن يعملن في سوق مفتوحة، وجميعنا يعرف ما يجري في كثير منها من تصرفات رعناء، خصوصا من شباب "الكليبات"، واستدل على ذلك بعدم حدوث اعتراض على عمل المرأة في المستشفيات وعلى نطاق واسع، وعمل المرأة كبائعة في المحال النسائية أحفظ لها من العمل في مواقع مختلطة.
نعود إلى الحملة النسائية الأخيرة، التي لم تكتف فقط بالمطالبة، بل تضغط حاليا وبقوة على وزارة العمل من خلال رسائل للدكتور غازي القصيبي من أجل تفعيل قرار تأنيث البيع في المحال النسائية، كما وجهن عديدا من الخطابات لأصحاب هذه المحال وعدد من المسؤولين، وهددن بالقيام بحملة واسعة لمقاطعة من لا ينصاع لمطالبهن، وهذه الحملة النسائية ممارسة "حضارية مدنية"، كما وصفها مدير الشؤون القانونية في وزارة العمل، وهي فعلا كذلك.
في حقيقة الأمر وضعية هذه المحال مستغربة بالإصرار على جعل البائعين فيها من الرجال، ويا ليتهم رجال على أقل تقدير، بل معظمهم شباب وأجانب أيضا لا همّ لهم إلا التزين بقصات شعورهم ولباسهم المبالغ في أناقته، وكم سمعنا من شكاوى نسائية من تصرفات كثير منهم، إضافة إلى حرج كثير من النساء لسؤال البائع الرجل الأجنبي عن تفاصيل سلع نسائية حساسة لها، ما يدفعها إلى شراء ما تريد دون أن تعرف كثيرا عن تفاصيله هربا من فضول وعدم حياء كثير من البائعين، والأكثر استغرابا في ذلك هو أن نجد عديدا من دول إسلامية تطبق تأنيث محال بيع النساء حفاظا على خصوصية المرأة مع أن مجتمعاتها أكثر انفتاحا، فالقضية قضية مبدأ لا مجال فيها للتجاذبات والنقاشات البيزنطية في أمر مقطوع بضرره إن بقي على ما هو عليه، وبلادنا هي الأولى بأن تحافظ على خصوصية المرأة، خصوصا في شأن نسائي كهذا.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي