تأثير ارتفاع الدولار في الأسواق
يشكل الدولار عملة أساسية لتداول السلع الرئيسة، كالذهب والنفط، كما أن له تأثيرا مباشرا في الأسواق العالمية، لذلك كلما ارتفعت قيمة الدولار كان هناك انخفاض في أسعار السلع المذكورة، والأسواق كذلك، والعكس تماما فكلما انخفضت قيمة الدولار ساعد ذلك على ارتفاع الأسواق والذهب والنفط. كما أن أي عمليات تصحيح أو جني أرباح حادة في الأسواق تدعم ارتفاع الدولار باعتباره أحد الملاذات الآمنة التي يتجه إليها المستثمرون.
من جهة أخرى، هذا يفسر أيضا إقبال المستثمرين على الذهب عند انخفاض الدولار، وذلك لقدرتهم على شراء كميات أكبر من الذهب بدعم من دولار رخيص، كما يقال، والحال كذلك فيما يتعلق بالإقبال على شراء وزيادة مخزونات النفط أيضا عند انخفاض الدولار.
خلال جائحة كورونا تعرض الدولار لتذبذبات حادة بين ارتفاع وانخفاض كان لها تأثير كبير في الأسواق عموما والذهب والنفط وانعكاسها على أسعارهما خصوصا.
بطبيعة الحال، لكل قاعدة شواذ، فهذه العلاقة بين العملة الأمريكية وبقية السلع والأسواق ليست ثابتة بشكل دائم، فنادرا ما نجد خروجا أو شذوذا عن هذه العلاقة، وغالبا ما تكون لفترات محدودة ولأسباب قوية قد تفكك العلاقة لوقت محدود ثم ما تلبث أن تعود إلى طبيعتها.
لكن هذه العلاقة نسبية عموما، حيث ليس بالضرورة أن تكون نسبة هبوط أحد طرفيها هي نفسها نسبة صعود الطرف الآخر.
وليتضح ذلك بشكل أكبر ففي آذار (مارس) الماضي ارتفع الدولار بنسبة 9 في المائة تقريبا، بينما هبط الذهب بنسبة 15 في المائة، فيما كان التأثير أكبر في النفط، حيث هبط بنسبة 60 في المائة، أما مؤشر ستاندرد آند بورز 500 فقد هبط بنسبة 30 في المائة تقريبا.
ولا شك أن هناك مؤثرات وظروفا أخرى أسهمت بقوة في هبوط الأسواق والسلع أمام ارتفاع الدولار، لكن حديثنا هنا عموما عن طبيعة هذه العلاقة بين الدولار من جهة والأسواق والسلع من جهة أخرى.
بداية أيلول (سبتمبر) الحالي، أعطى مؤشر الدولار إشارات ارتداد بعد هبوط كبير استمر من آذار (مارس) متراجعا نحو 11 في المائة من مستويات 103 إلى 92 نقطة الذي كان داعما لارتفاعات الأسواق والسلع في الوقت نفسه.
حاليا ارتد الدولار بنسبة 1 في المائة من مطلع تداولات الأسبوع الحالي ليصل إلى أكثر من 2 في المائة منذ بداية الشهر.
هذا الارتداد السريع للدولار أربك الأسواق العالمية التي كانت بطبيعة الحال مهيأة لعمليات جني أرباح بعد سلسلة من الارتفاعات القياسية، وأسهم في تعميق الهبوطات التي شهدتها الأسواق مطلع هذا الأسبوع.
والسؤال الذي يتبادر للذهن هو: هل في أيلول (سبتمبر) سيستمر الدولار في الارتفاع ويستطيع العودة للصعود من جديد أم هي فقط موجة ارتداد لن تطول كردة فعل بعد هبوطات كبيرة؟
إذا علمنا أن ارتفاع الدولار يضعف تنافسية المنتجات الأمريكية ويتسبب في تقليل صادراتها، فمن الطبيعي جدا أن تحارب الولايات المتحدة من أجل الحفاظ على دولار رخيص لدعم صادراتها. وهذا يفسر حرص الولايات المتحدة على إبقاء الدولار رخيصا في الأسواق، وبالتالي فإن هذه المرحلة التي يمر بها العالم من خلال جائحة كورونا والآثار الاقتصادية السلبية لها لن تدفع الولايات المتحدة للسماح بارتفاع عملتها، وبالتالي التأثير في اقتصادها وصادراتها بشكل سلبي، ولا سيما والانتخابات الرئاسية على الأبواب، ما يستوجب على المرشحين السعي قدما في منع ارتفاع الدولار إذا استطاعوا ذلك لتجيير هذه الخطوة لحسابهم نحو كرسي الرئاسة.
كما أن موافقة الكونجرس على خطة تحفيز جديدة بقيمة ثلاثة تريليونات دولار التي تقدمت بها نانسي بيلوسي، رئيسة مجلس النواب الأمريكي، من شأنها إبقاء الدولار تحت مستوى 100 نقطة ودعم الأسواق بشكل كبير.
من الناحية الفنية، حسب الرسم البياني لمؤشر الدولار Dxy، فإنه مرشح للوصول إلى القاع في آذار (مارس) عند 94.70 نقطة، فيما ستكون 95.60 مقاومة على المدى المتوسط، بينما تعد منطقة 97 مقاومة قوية سيحتاج تجاوزها إلى مزيد من الأحداث والأخبار الكبيرة التي ستعد إنذارا لاحتمالية تعرض الأسواق عموما لموجات هبوط قد تكون حادة. وربما سيكون من ضمن تلك الأسباب عدم استطاعة الرئيس ترمب، الاحتفاظ بكرسي الرئاسة لفترة ثانية، وتعده الأسواق حليفا لها، حيث كان داعما لها بشكل مستمر بخلاف المرشح جو بايدن، الذي توعد - حال فوزه بالرئاسة - برفع الضرائب على الشركات، وبالتالي تقليص أرباحها، ما سينعكس سلبا على أسعارها في السوق.