كيف نام ضمير العالم عن فلسطين

من عادة الناس أن يتعاطفوا بشكل عفوي وتلقائي مع الضعيف ضد القوي، خاصة إذا بغى القوي في تجبره على الضعيف، وبالأخص إن كان القوي حكومة، والضعيف شعباً أعزل. تعاطفنا مع فيتنام الشمالية في كفاحها ضد الوجود الأمريكي في جنوب فيتنام. آلمتنا مشاهد المقابر الجماعية التي ارتكبها الخمير الحمر ضد أهل مدن وقرى كمبوديا. تحرك العالم تعاطفاً مع الأفارقة في كفاحهم ضد حكومة التمييز العنصري في جنوب إفريقيا، وصرخت شعوب العالم مع أغنية "حرروه" للمناداة بإطلاق سراح نيلسون منديلا. ولكن حين نأتي لفلسطين نجد الوضع يتغير. فلماذا هذا البرود العالمي على مصائب هذا الشعب المستمرة منذ أكثر من 60 عاماً؟
الشعوب الغربية من طبيعتها حب السلام ونصرة المظلوم، وأثر عن عمرو بن العاص أنه وصف الروم بأنهم "أحلم الناس عند فتنة، وأسرعهم إفاقة بعد مصيبة، وأوشكهم كرّة بعد فرّة، وخيرهم لمسكين ويتيم وضعيف، وأمنعهم من ظلم الملوك". وتاريخهم الاستعماري لا يغير هذه الخصلة، فتجربة الاستعمار لا يمكن ربطها بالشعوب، بل بحكومات إمبريالية تعاقبت على أوروبا. أقول، ومع كل هذا لا تجد لهم صولة ولا جولة لإيقاف إجحاف يقع على شعب أعزل منذ أكثر من 60 عاماً.
هل صحيح أن اليهود تغلغلوا في المؤسسات التعليمية والإعلامية الغربية، وأبرزوا روايتهم للتاريخ وللأحداث، وعموا على عيون العالم حتى باتوا لا يرون الحق حقاً، والظلم واقعا مشاهداً؟ هل يمكن أن يبلغ التجذر بالنفوذ اليهودي حداً يغير طبائع الشعوب الأوروبية، ويجعلهم يستمرئون قتل الأبرياء والعزل أطفالا ونساءً وشيوخاً؟ هل يمكن أن تستمر هذه الغمامة على عيونهم فلا يروا جوراً يتكرر على نحو يومي بشعب بلا وطن منذ أكثر من 60 عاماً؟
أم أن الحركات الفلسطينية تركت انطباعاً سيئاً لدى الشعوب الأوروبية، وخاصة في فترة السبعينيات حين مارست اختطاف الطائرات، والتفجير، والاغتيالات؟ هل ساهمت هذه الميليشيات والحركات في تقليص أنصار القضية؟ بالتأكيد كان للانتفاضة الأولى نتائج إيجابية باهرة أحرجت الدولة العبرية في المحافل الدولية، ولكن لماذا لم تستطع الانتفاضة بعد عودتها في عام 2000 أن تحصد النتائج نفسها؟
لماذا يا ترى فشل الشعب الأمريكي في رؤية إسرائيل دموية كما نراها نحن؟ لماذا لم يتقززوا من رؤية الأطفال القتلى كما نشاهدها بشكل يومي في هذه الأحداث؟ لماذا يرى أكثر من نصف الذين شملهم استطلاع شبكة (سي إن إن) أن هجوم إسرائيل على غزة مبرر؟
أظن أنه من التبسيط المخل أن نرى أن اليهود لهم قوى خارقة لدرجة أنهم يتحكمون في تعليم العالم وإعلامه واقتصاده. كما أنه من غير الصحيح رؤية أحداث مأساوية اقترفتها بعض فرق الفلسطينيين في السبعينيات، وقد اقترف الإسرائيليون أضعافها، على أنها ساهمت في تغريب القضية. لا أزال أجهل سبب نوم ضمير العالم عن مأساة متكررة منذ أكثر من 60 عاماً.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي