مستقبلنا بعد النفط

عندما أقول مستقبلنا فإنني أعني كل شيء،وليس الاقتصاد وحده، لسبب رئيسي هو أن العائدات النفطية كما هي الحال في عام 2009م، تؤسس لكل شيء في حياتنا، الاقتصادية والسياسية والاجتماعية. أما نون الجماعة فهي تعود على الوطن بجميع مواطنيه. وعندما أقول بعد النفط، فإنني أؤكد حقيقة جيولوجية وهي أن النفط فانٍ، إن آجلاً أو عاجلاً، لأن كل برميل يستخرج من مكامن النفط تحت الأرض لا يمكن تعويضه على الإطلاق، لا بالطبيعة ولا بالإنتاج. إذن فإن السؤال الاستراتيجي الذي أطرحه هنا هو، ما مستقبل الأمة فلنقل بعد سبعين عاماً، على افتراض أن النفط السعودي وبمعدل الإنتاج الحالي والمستقبلي وبحجم الاحتياطي المؤكد والمتوقع سينتهي بعد هذه المدة. ولا شك أن هذه المدة رغم قربها من الحقائق الرقمية كما هي اليوم إلا أنها قابلة للزيادة والنقص. وعلى العموم سواء كانت المدة الباقية في عمر النفط السعودي سبعين عاماً أو مائة عام، فإنها سنون قليلة في عمر الشعوب.
في إطار مستقبلنا بعد النفط أمامنا حقيقتان: الأولى ما ذكرته أعلاه عن حتمية نضوب النفط في المستقبل البعيد، أو خروج بديل يقلل من حاجة العالم إليه، والحقيقة الثانية، أن الحياة المادية بجميع جوانبها الحياتية في المملكة تعتمد اليوم اعتماداً شبه كلي على صادراتنا للعالم من النفط الخام المستخرج من باطن الأرض، ولو توقفنا عن الاستخراج أو التصدير عاماً واحداً أو عامين لحلت بنا كارثة مالية واقتصادية.
بهاتين الحقيقتين، الجيولوجية والاقتصادية فإن المهمة العظمى والأساسية التي لا تعلو عليها أي مهمة لأصحاب القرار السياسي وأصحاب الحقائب الوزارية، المالية والاقتصادية والبترولية هي، بناء استراتيجية اقتصادية تضمن استمرار الحياة والعيش الكريم للأجيال القادمة بعد نضوب البترول، أو انخفاض الطلب عليه بشكل حاد.
الخطط المستقبلية الخمسية أو ما فوق الخمسية أو دونها ورغم أن تنويع مصادر الدخل Diversification أحد أهدافها إلا أنها لا ترقى على الإطلاق أو حتى تقترب من خطورة وأهمية السؤال المطروح عن مستقبلنا بعد النفط. النمو السكاني يتزايد يوماً بعد يوم، ومعدل استهلاك المواطن يرتفع يوماً بعد يوم، والنفط الخام يتناقص يوماً بعد يوم، والعقول والتكنولوجيا العالمية تتطور في اتجاه البحث عن البديل يوماً بعد يوم، واقتصادنا الوطني يزداد اعتماده على النفط يوماً بعد يوم، وأمام كل هذه المعطيات والمخاطر المستقبلية يبقى السؤال الحرج عن مستقبلنا بعد النفط دون إجابة أو محاولة للإجابة الجادة.
الإجابة عن سؤال المستقبل تتطلب إرادة سياسية على أعلى المستويات، تخرج منها قرارات فاعلة في محاور أساسية مهمة، منها:
أولاً: سياسة بترولية تسعى لتعظيم المردود الاقتصادي والمالي طويل الأجل من استخراج وتصدير واستخدام النفط والغاز.
ثانياً: سياسة اقتصادية تقوم أساساً وأولاً على الاستثمار في الإنسان، بهدف تعظيم كفاءته وقدرته التقنية والإنتاجية ليس على المستوى المحلي، بل على المستوى العالمي، ويشمل بناء الإنسان بشكل أساسي على نظام التعليم والنظام الصحي والنظام الاجتماعي، فجميع هذه الأنظمة تشكل اللبنات الأساسية في بناء الإنسان المنتج.
ثالثاً: إدارة الاقتصاد الحكومي سواء من حيث الإيرادات أو المصروفات بمستوى عال من الكفاءة المالية والإدارية والتركيز على تلك المشاريع التي تصب في زيادة الإنتاجية الاقتصادية، وتنويع مصادر الدخل واتخاذ موقف صارم من الفساد المالي والإداري وهدر الأموال العامة وذلك بمحاسبة كل مسؤول يتعدى على الأموال العامة أو يتسبب في هدرها.
رابعاً: تقليص حجم الأجهزة الحكومية التي تبتلع ما يزيد على نصف ميزانية الدولة واستبدال الكم بالنوع، فيما يتعلق بموظفي الدولة وتطوير الأنظمة والقوانين الحكومية التي عفى عليها الزمن.
خامساً: تنظيم عملية الزيادة السكانية بحيث لا يطغى النمو في عدد السكان على قدرات وإمكانات النمو الاقتصادي، ويكون تركيز الاستراتيجية للمنظومة السكانية قائماً على تطوير الكيف وليس على زيادة الكم.
سادساً: نشر الوعي الاجتماعي على جميع المستويات الشعبية والقيادية بأن حياتنا المستقبلية تعتمد كلياً على المورد النفطي المتناقص، مما يحتم على الأفراد والحكومة ضرورة الترشيد والبناء، من أجل الوصول إلى مرحلة زمنية، لا يكون فيها الانتقال من عصر النفط إلى عصر ما بعد النفط، عبر هوة سحيقة وكارثة اقتصادية عظمى لا يصمد في وجهها البناء الاقتصادي والاجتماعي والسياسي للأمة. انطلاقاً من هذا الوعي العام بأهمية وخطورة المستقبل، تولدت الحاجة إلى بناء استراتيجية وخطة وطنية طويلة الأجل تشكل خريطة الطريق إلى مستقبل ما بعد النفط.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي