الأسواق وحدها لن تؤدي إلى "مستقبل أخضر"

ستحتفل الولايات المتحدة الأمريكية هذا العام 2009 بالذكرى الـ 150 لاكتشاف بئر النفط الأولى في تيتوسفيل، ولاية بنسلفانيا. واليوم، نعمل على بناء مستقبل اقتصادي جديد يرتكز على الطاقة النظيفة والمتجددة. ويوجد لدى مكتشفي تيتوسفيل نظراء من العصر الحديث من أصحاب المشاريع، العلماء، المستثمرين، والعاملين ممن يُعدون جزءا من الحركة المتنامية لبناء "اقتصاد أخضر".
في عام 1859، كان هناك لاعب اقتصادي واحد له دور صغير وبشكل مميز، وهو الحكومة. كانت صناعة النفط حرة في التطور بالطريقة التي تمليها عليها السوق. واليوم، لا يوجد لدينا متسع من الوقت للاعتماد بصورة منفردة على السوق لتقود التغير. إن رغبتنا في موازنة النمو الاقتصادي عن طريق حماية المناخ، بهدف التخفيف من الاعتماد على أسواق النفط العالمية، ولتعويض التكاليف طويلة المدى التي يفرضها الوقود الأحفوري على اقتصادنا، تستلزم اتخاذ إجراءات ليس من قبل القطاع الخاص فحسب، ولكن من قبل صنّاع السياسة كذلك.

#2#

من المفترض أن يبدو الأمر غريباً على السمع بأن رئيساً تنفيذياً لبنك عالمي يدعو إلى التدخل الحكومي، وهو موقف لا آخذه باستخفاف، ولكنه ليس جديداً كذلك، حيث لعبت الحكومة دوراً بارز الأهمية في تزويد الطاقة الكهربائية للمناطق الريفية في الولايات المتحدة، وفي بناء بنيتنا التحتية للنقل والمواصلات. وأثبتت التشريعات المميزة مثل مواثيق الهواء النظيف، والمياه النظيفة، نجاحاً بيئياً واقتصادياً.
وغالباً ما تشجّع حكومات الولايات تطوير الصناعات الجديدة. وسواء وافق المرء أم لا على حجج الاحتباس الحراري، وللشهادة، فأنا أوافق عليها، فإن هنالك أسبابا كافية لتسريع حركة السوق نحو مصادر الطاقة المتجددة. أولاً، فرصة الولايات المتحدة لقيادة ما نؤمن بأنها واحدة من أسرع الصناعات نمواً للقرن الـ 21. وكذلك فإن أمن الطاقة، والمحافظة على الموارد، والتخفيف من التلوث، وحماية الأحياء الطبيعية، كلها أسباب جيدة أيضاً.
اتخذ القطاع الخاص خطوات لمعالجة هذا التحدي. وفي مجال صناعتي، تعمل البنوك على تخفيف انبعاثات الغازات الضارة من العمليات الخاصة بها، ومن ابتكار المنتجات، مثل البطاقات الائتمانية، والرهون العقارية بمواصفات "خضراء"، بحيث تمكّن الزبائن من تخفيف بصمتهم الكربونية. وإن تطوير قيمة العقارات الصديقة للبيئة الممولة من قبل البنوك في نمو مستمر يعادل نحو 50 في المائة سنويا. وبلغ الحجم الإجمالي للاستثمارات في مجال الطاقة المتجددة ما يزيد على 100 مليار دولار العام الماضي.
انضمت الحكومات إلى هذا العمل على عدة جبهات. ولكن بينما ينمو عدد سكان العالم، وتتوسع الاقتصادات، وتزداد التأثيرات البيئية عمقاً، يحتاج شركاؤنا في السياسة العامة إلى القيام بجهود أكبر للمساعدة في توليد بيئة سوق، تكون فيها بدائل الطاقة الدائمة ذات قدرة تنافسية اقتصادية.

#3#

أولاً، إن القطاع الخاص بحاجة إلى بيئة تشريعية مستقرة، وقابلة للتنبؤ بها بنزعة نحو الطاقة النظيفة، والاقتصاد الأخضر. وعلى أعضاء الكونجرس أن يعالجوا خلافاتهم، وأن يتحركوا من أجل تجديد وتوسيع نطاق الطاقة البديلة، وائتمانات الضرائب الكفؤة التي سيتوقف العمل بها مع نهاية هذا العام.
إن الحوافز مهمة، حيث كانت تسعى بعض البنوك، على سبيل المثال، إلى البحث عن أساليب فاعلة مالياً من أجل تحقيق سوق كبيرة الحجم للتأجير السكني المزوّد بالطاقة الشمسية. وبإعطاء الزبائن الخيار من أجل تركيب ألواح شمسية لتوفير الطاقة من خلال التأجير، يمكن أن يخفف ذلك على المستهلكين عبء العقبة الكبرى في طريق هذه التكنولوجيا، ألا وهي التكلفة المرتفعة لشراء الألواح.
إن الطاقة المتجددة تنمو بسرعة في الولايات المتحدة، حيث عادلت مشاريع طاقة الرياح من مجمل السعة الجديدة العام الماضي نحو 30 في المائة، وارتفعت قدرة الطاقة الشمسية بنحو 125 في المائة مقارنة بقدرة عام 2006، بينما ارتفعت الطاقة الحرارية الأرضية بنحو 40 في المائة. ويوماً ما ستصبح هذه الصناعات مكتفية ذاتياً. ولكنها اليوم لا تزال بحاجة إلى الدعم لبناء حجم سوق يكفي للمنافسة مع المركبات الهيدروكربونية.
ثانياً، إن القادة السياسيين بحاجة إلى العمل في نطاق السلطة القضائية لتحديد أي الحوافز أو التشريعات المناسبة على مستوى الولاية، وأي الأعمال هي الأفضل على المستوى الفيدرالي.
ثالثاً، على الكونجرس أن يكون متحمساً من أجل ابتكار إطار عمل للحد الأقصى من تداول انبعاثات الكربون. وبينما المزيد من الدول بدأت تستخدم الحد الأقصى للتداول، فإن أسواق تداول الكربون ستصبح محور جهودنا الهادفة إلى تقليص انبعاثات الغازات الضارة.
وأصبح الأمر واضحاً بأن هنالك رابطاً قوياً بين رغبتنا من أجل تنويع مصادر الطاقة، وقدرتنا على تنمية استدامة الاقتصاد العالمي. والأخبار الجيدة هي أنه يتوافر لنا اليوم مدخل إلى الأسواق المالية، والمعرفة العلمية، والتكنولوجيا، والبراعة الإنسانية التي بالكاد يمكن لأوائل تجار النفط من تيتوسفيل تصورها. وبالقدر ذاته من الأهمية، يوجد لدينا الحافز من أجل الحفاظ على كوكبنا للأجيال المستقبلية.
الكاتب هو رئيس مجلس الإدارة، والرئيس التنفيذي لبنك أوف أميركا.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي