(غزة) وفرص البطولات الكلامية..!
في الوقت الذي تسيل فيه دماء الأبرياء من الأطفال والشيوخ والنساء في غزة بشكل مأساوي ومؤلم يدمي القلوب المتحجرة, ينبعث من بيننا من يرى في مثل هذه الأحداث فرصة ذهبية لاقتناص بطولة كلامية جديدة, ويتعالى ضجيج طواحين الكلام في الفضائيات العربية, فذاك البطل الورقي المتكئ في استديو القناة الفلانية وشبيهه المتمدد على أريكته لا يجدان أي حرج في تجييش الناس عاطفياً وتوجيههم لاستهداف المدنيين الاسرائيليين في مختلف دول العالم رداً على أحداث غزة, مقتنصان بهكذا تصريحات إجرامية بطولات جديدة تضاف إلى رصيد بطولاتهما الكلامية الساذجة, قبل أن يعودا ويتناولا القهوة في جو دافئ ويخلدا إلى النوم!
ستون عاماً من البطولات الكلامية الهوجاء مرت على الشعوب العربية, فماذا جنت منها سوى تعقيد القضية أكثر وسقوط مزيد من الضحايا؟!
كلنا نتألم لما يحدث في غزة ونتوجع بسبب المآسي الإنسانية في جميع بقاع العالم, ونتمنى أن تزول الغمة عن المدنيين في كل مكان وأن ينعم العالم بالسلام, لكن هذا لن يحدث طالما أن هناك من يعملون على تأجيج نيران الحروب والإرهاب لمصالح ومكتسبات شخصية من خلال استغلال عواطف الناس وتحويلهم إلى مجرمين وقتلة تحت شعارات كلامية وعاطفية هوجاء أثبتت على مر العقود السابقة أنها السبب الحقيقي في كل الخسائر السياسية العربية, كما أنها سبب رئيس لتوتر الوضع السياسي في الأراضي المحتلة, وسقوط مئات الضحايا بين فترة وأخرى, وتعطيل كل المبادرات الخلاّقة للسلام في المنطقة.
إن دماء الأبرياء في غزة ليست في عنق جيش الاحتلال فقط وإنما تغوص فيها ألسن قانصي فرص البطولات الكلامية، الذين لا هم لهم سوى تسليط الضوء على أنفسهم عبر الشعارات العاطفية السمينة والمغرية للجماهير المحتقنة عاطفياً مستخدمين في ذلك وسائل الإعلام كمنابر لتوثيق بطولاتهم الصوتية, بينما يستحقون المحاكمة على ما يقومون به باعتبار أن تصريحاتهم هي الوقود الحقيقي لنيران الحروب والقتل والدمار, وهو ما يجعلهم يصطفون في صف واحد مع مجرمي الحرب دون أي فرق بينهم.
إن العرب اليوم بحاجة إلى التفكير بمنطقية قبل كل شيء, وحساب الخسائر والأرباح من أي خطوة يمكن اتخاذها تجاه الأحداث في المنطقة, بجانب ضرورة تقديم مصلحة المدنيين الأبرياء على أي شيء آخر, والإيمان تماماً بأن الحل الوحيد والدائم للقضية الفلسطينية هو السلام الدائم والشامل الذي لا يمكن أن يتم في ظل الشعارات العروبية، التي أكل عليها الدهر وشرب, كما لا يمكن أن يتم في ظل النزاعات الداخلية بين الفلسطينيين أنفسهم, ولا أعلم حقيقة كيف أن أكثر من نصف قرن من الزمن لم يستطع الجمع بين الفرقاء الفلسطينيين الذين يعمل كل منهم بمعزل عن الآخر وبعداء ضده, بينما يتضرر الأبرياء من الشعب الفلسطيني في نهاية المطاف.
يا سادة يا كرام إن الشعب الفلسطيني المنتهك اليوم لا يحتاج إلا إلى أن تكف عنه أيدي وألسن المتاجرين به سواء كانوا من بعض القيادات والتنظيمات الفلسطينية، التي أخذت على عاتقها مهمة تعطيل كل مبادارات السلام وقدح شرارة الحرب مع الجيش الإسرائيلي بين فترة وأخرى دون أي اعتبار لحياة الأبرياء والمدنيين, أو من قناصي البطولات الكلامية الذين لم يفكروا على الأقل في مساندة الشعب الفلسطيني بالغذاء والدواء قبل أن يحصدوا بطولاتهم الفارغة!