لقاء في الحي

وصل أذان المغرب إلى أذني عذباً ندياً من مئذنة مسجد الحارة، يلامس شغاف القلب قبل أن تعي كلماته الأذنُ، بصوت الشاب الصالح عبد الرحمن طالب الدراسات العليا متجهاً إلى الركن المخصص في جانب الطريق لحاويات فرز النفايات، فردَّ علي بأن في أحد الأكياس جرائد وفي الآخر علباً بلاستيكية، ومددت يدي لأتناول أحد الأكياس أساعده في حملها فابتسم وأبى. سرنا مع بعضنا بعد أن أفرغ الجرائد في حاوية الأوراق، ووضع الأكياس مع العلب البلاستيكية في الحاوية الزرقاء المخصصة للنفايات البلاستيكية. وبينما هو يخبرني عن سبب تأخره في العمل وصلاته في طريق العودة إلى البيت؛ طلع علينا جارنا أبو ثامر مع ابنه ثامر، الذي عاد لتوِّه من كندا، بعد أن حصل على درجة الماجستير في الإدارة الصناعية، فرحبنا بهما، وسألنا ثامر عن انطباعاته وشعوره بعد العودة إلى أرض الوطن، وعن مدى رضاه عن الحارة، لأن أبا ثامر يعد من آخر الجيران الذين سكنوا الحي، فراح ثامر يثني على الحي، وجودة الرصيف الذي كنا نسير عليه، ومصابيح الإضاءة الجميلة، والنسيم العليل الذي ينساب بين الأشجار رطباً ومحملاً برائحة الزهور، وطفق يقارن كل ذلك بالبرد القارس والثلوج التي كانت تمنعه في مقر دراسته في كندا من التنقل بسهولة على الأقدام، حتى حاذينا حديقة الحي، التي ازدانت أركانها بأشجار النخيل، وعلى حوافها الشجيرات المزهرة، وقد امتد في وسطها بساط من النجيل الأخضر، انتثرت على أطرافه مجموعات من الكراسي للسيدات ولكبار السن، وفي أحد أركانه مجموعة من ألعاب الأطفال، وعند مدخل الحديقة براد الماء تحت مظلة معروشة بالنباتات المتسلقة، فسلمنا على الأطفال والشباب، ونادينا الأبناء، ودعوناهم مع البقية إلى صلاة المغرب. بعد أن قُضيت الصلاة توقف أبو ناصر عند صناديق البريد في مدخل المسجد، وفتح صندوقه وأخذ ما به من رسائل، ثم سرنا بصحبة ثامر وأبيه إلى منطقة تجمع الجيران اليومية بين المغرب والعشاء في ساحة المسجد المطلة على الطريق.
وبينما نحن جالسون نتبادل أطراف الحديث أظهر أبو ناصر مهارته المعتادة في ملاحظة واكتشاف أي خلل أو قصور يحدث لمرافق حارتنا، فقد لفت انتباهنا إلى أن أحد مصابيح رصيف المشاة غير مضاء، وأضاف بأنه سيتصل غداً برقم الصيانة المخصص للإبلاغ عنه، واستغل الجيران هذه الملاحظة للتعليق على أبي ناصر كعادتهم في كل مرة يعلن فيها أبو ناصر عن أحد اكتشافاته؛ بأن لا يجعله الله مراقباً عليهم لو أنهم كانوا مقاولين أو متعهدي صيانة، وبينما أنا أفكر، والقوم يتحدثون، إذا بصوت جرس إنذار مخيف يصم الآذان، فانتفضت واستعذت بالله، وعندما استرجعت تركيزي وجدت أنه جرس المنبه يوقظني لصلاة الفجر، فوحّدت الله وصليت على رسوله صلى الله عليه وسلم، ودعوت الله أن يحقق أحلامنا دائماً، وخصوصاً مع بداية عامنا الجديد. وكل عام وأنتم بخير.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي