محفزات سعودية للقضاء على تداعيات فيروسية
على الرغم من انتعاشها الكبير في جلسة الجمعة الماضية، إلا أنه ساد الهلع خلال الأيام الثلاثة الماضية الأسواق المالية كافة حول العالم، لتنهي بالأمس أسوأ جلساتها منذ انهيار سوق الأسهم يوم الإثنين الأسود في تشرين الأول (أكتوبر) 1987، ولتذهب أكثر من 2.7 تريليون دولار من قيمة سوق الأسهم أدراج الرياح. وكانت أكبر الخاسرين الدول الغنية وكبار أثرياء العالم، الذين استثمروا أموالهم في أسهم الشركات التي يديرونها أو يملكون الحصة الأكبر من أسهمها.
وفقا لآخر أرقام مجلة "فوربس" تضاءلت ثروة جيف بيزوس؛ الأكثر ثراء في العالم، التي استثمرها في شركته "أمازون" من 117 مليار دولار إلى 109 مليارات؛ ما يعني أنه خسر ثمانية مليارات دولار، وتراجعت ثروة بيل جيتس؛ المؤسس المشارك في شركة مايكروسوفت، من 108.2 إلى 103 مليارات دولار، بانخفاض قدره 5.3 مليار. وخسر الفرنسي برنارد آرنو؛ ثالث أثرياء العالم والمدير التنفيذي لشركة لوي فيتون، 14 مليار دولار، بينما تضرر رجل الأعمال الأمريكي وارن بافت؛ من خسارة الشركات الجوية التي يملك فيها عددا مهما من أسهمها، حيث تراجعت ثروته من 81.6 إلى 76.3 مليار دولار. كما تقلصت ثروة مارك زوكربيرج؛ خامس أكبر أثرياء العالم، بمقدار 9.2 مليار دولار نتيجة هبوط أسهم شركته فيسبوك.
وفي الأسبوع الماضي توقعت وكالة بلومبيرج أن يتباطأ نمو الناتج المحلي الإجمالي في الصين في الربع الأول من عام 2020 إلى 1.2 في المائة على أساس سنوي، واستمرار تلك النسبة من تقليصها أو زيادتها خلال الربع الثاني، مبني على مصير فيروس كورونا في السيطرة أو القضاء عليه من عدمه. هذه المقارنة جاءت نتيجة دراسة عميقة لمدى تراجع سلاسل الإمداد بنسبة 18 في المائة وتباطؤ نشاط الخدمات بنسبة 16 في المائة، حيث أدى إلى تراجع مبيعات السيارات في الصين إلى 80 في المائة، وانخفاض حركة النقل بنسبة 85 في المائة عن مستوياتها اليومية العادية. وهذا بدوره أدى إلى انخفاض صادرات الصين في أول شهرين من هذا العام بنسبة 17.2 في المائة مقارنة بالعام السابق، بينما انخفضت الواردات بنسبة 4 في المائة.
وتبع ذلك تهاوي حصة الأسواق الناشئة في الاستثمارات الأجنبية المباشرة نتيجة تفشي فيروس كورونا؛ لتجذب الأسواق المالية الناشئة خلال شهر شباط (فبراير) الماضي تدفقات نقدية خارجية أقل بنحو 88 في المائة من المسجل في كانون الثاني (يناير) من العام الجاري، جاءت بيانات معهد التمويل الدولي، لتؤكد أن الأوراق المالية في الأسواق الناشئة شاهدت تدفقات داخلية بقيمة 3.4 مليار دولار فقط خلال شهر شباط (فبراير)، مقابل تدفقات بنحو 29.5 مليار دولار خلال شهر كانون الثاني (يناير).
وبناء عليه، فإن تفاقم انتشار الفيروس قد يؤدي إلى زيادة تباطؤ نمو حجم التجارة العالمية في 2020؛ لتتراجع قيمة تجارة السلع إلى أقل مما كانت عليه في 2019، حيث تخطت حاجز 19 تريليون دولار. أما تجارة الخدمات، التي نمت قيمتها بنسبة 8 في المائة خلال عام 2019 لتصل إلى 5.80 تريليون دولار، فمن المتوقع تراجعها مدفوعة بانخفاض قوي في الدول المتقدمة والنامية على حد سواء، خاصة أن نشاط السياحة، الذي يشكل 9 في المائة من هذا القطاع، أصيب بانخفاض كبير يفوق 50 في المائة من قيمته خلال الربع الأول من عام 2020.
من هذا المنطلق بادرت المملكة في الأسبوع الماضي من خلال مؤسسة النقد العربي السعودي، بإطلاق برنامج المحفزات الاقتصادية بقيمة 50 مليار ريال لإعانة المنشآت الصغيرة والمتوسطة على مواجهة الآثار الاقتصادية لتفشي فيروس كورونا. ويأتي هذا البرنامج انطلاقا من دور المؤسسة في تفعيل أدوات السياسة النقدية وتعزيز الاستقرار المالي، وتمكين القطاع المالي من دعم نمو القطاع الخاص، ودعم الجهود لمكافحة فيروس كورونا في المملكة وتخفيف آثاره المالية والاقتصادية المتوقعة في القطاع الخاص؛ خصوصا قطاع المنشآت الصغيرة والمتوسطة.
ويتضمن هذا البرنامج حزمة من الإجراءات، تشمل الخطوات التالية:
الأولى: تهدف إلى دعم تمويل المنشآت الصغيرة والمتوسطة، عبر برنامج يتكون من ثلاثة عناصر أساسية؛ تستهدف التخفيف من آثار التدابير الاحترازية لمكافحة فيروس كورونا في قطاع المنشآت الصغيرة والمتوسطة، وتحديدا تخفيف أعباء تذبذب التدفقات النقدية، ويستهدف أيضا دعم رأس المال العامل للقطاع الخاص وتمكينه من النمو خلال المدة المقبلة والإسهام في دعم النمو الاقتصادي والمحافظة على التوظيف في القطاع الخاص. ويسعى برنامج دعم تمويل المنشآت الصغيرة والمتوسطة، إلى تحقيق أهدافه عبر ثلاثة محاور، أولها برنامج تأجيل الدفعات، من خلال إيداع مبلغ يصل إلى 30 مليار ريال لمصلحة المصارف وشركات التمويل، مقابل تأجيل دفع مستحقات القطاع المالي لمدة ستة أشهر على قطاع المؤسسات الصغيرة والمتوسطة ابتداء من تاريخ صدور البرنامج.
الثانية: تقديم التمويل الميسر للمنشآت الصغيرة والمتوسطة يصل إلى مبلغ 13.2 مليار ريال، عن طريق منح قروض من المصارف وشركات التمويل لقطاع المنشآت الصغيرة والمتوسطة. إضافة إلى ذلك يأتي محور دعم ضمانات التمويل عبر إيداع مبلغ يصل إلى ستة مليارات ريال لمصلحة المصارف وشركات التمويل لتمكين جهات التمويل من إعفاء المؤسسات الصغيرة والمتوسطة من تكاليف برنامج ضمانات تمويل قروض المنشآت الصغيرة والمتوسطة "كفالة".
الثالثة: دعم رسوم عمليات نقاط البيع والتجارة الإلكترونية، من خلال دعم رسوم المدفوعات لجميع المتاجر ومنشآت القطاع الخاص لمدة ثلاثة أشهر، وذلك بقيمة إجمالية تفوق 800 مليون ريال، من خلال تحمل مؤسسة النقد العربي السعودي تلك الرسوم لمصلحة مقدمي خدمات المدفوعات المشاركين في المنظومة الوطنية. وفيما يتعلق بالمنشآت المتأثرة من جراء التدابير الاحترازية التي جرى تبنيها في مدينتي مكة المكرمة والمدينة المنورة؛ تقوم المؤسسة حاليا بالتنسيق مع المصارف وشركات التمويل لتسهيل المدفوعات المتعلقة بتمويل هذه المنشآت.