مدونة الأحكام القضائية "الإصدار الثالث"
نشرت وزارة العدل الإصدار الثالث من مدونة الأحكام القضائية وقد تضمن عددا من الأحكام القضائية النهائية الصادرة من المحاكم , وكذلك عددا من القرارات الصادرة عن الهيئة القضائية العليا – سابقا- ومجلس القضاء الأعلى, وشملت هذه الأحكام قضايا إنهائية وأحوال شخصية وجزائية وحقوقية , وقد التزمت المدونة بما التزمت به في الإصدارين السابقين من أن تكون الأحكام المنشورة من الأحكام النهائية بموافقة محكمة التمييز عليها , وأن تنشرها بنصها مع حذف ما يبين شخصية طرفي القضية مراعاة للخصوصية.
ومن الأحكام المضمنة في هذا الإصدار مما يتعلق بالعقار الحكم الصادر من المحكمة العامة بالمدينة المنورة برقم 198/1183/9 وتاريخ 24/10/1425هـ, والمؤيد من محكمة التمييز بالقرار رقم 1483/5/1 وتاريخ 1/12/1425هـ, وقد جاء في الدعوى أن المدعي قد أجر شقة للمدعى عليها , وبين في الدعوى ما يدل على مكانها لمدة سنة بموجب عقد ولم يمدد له وقد انتهت السنة, ويطلب منه الإخلاء إلا أنه رفض ذلك, وطال بإلزامه بالإخلاء, ثم إن المحكمة طلبت من المدعى عليه الحضور بموجب عدد من الطلبات ولكنه رفض الحضور, ثم إن المدعي أحضر البينة على أن المدعى عليه ما زال يشغل الشقة, ثم أصدر القاضي حكمه وقد تضمن ما يلي: أولا: إلزام المدعى عليه بإخلاء الشقة, ثانيا: تضمين ذلك بالنفاذ المعجل, ثالثا: أن المدعى عليه على حجته متى ما حضر, رابعا: قرر رفع الحكم إلى محكمة التمييز, وقد سبب القاضي حكمه بما يلي: استند إلى ما ورد في الدعوى, ولعل من أبرز ما ورد فيه: العقد الذي قدمه المدعي إلى المحكمة والمتضمن انتهاء عقد الإجارة وأن مدته سنة تتجدد باتفاقية بين الطرفين, كذلك استند إلى البينة التي تثبيت بقاء المدعى عليه في الشقة, كما قرر أن المدعى عليه امتنع من الحضور إلى المحكمة وفي ذلك مماطلة وأن مماطلة المستأجرين ظاهرة تتكرر, ومن ثم استند إلى حديث النبي صلى الله عليه وسلم:" لا ضرر ولا ضرار".
وتعليقا على هذا الحكم أشير إلى ما يلي:
يلاحظ أن فضيلة القاضي رتب أسباب الحكم "الحيثيات" حسب الإجراء المنطقي لتسبيب الأحكام, وذلك بإيراد ما ثبت لديه من وقائع , ثم إنزال النصوص الفقهية عليها – والمتمثل هنا بالحديث المشار إليه.
يستدل كثير من القضاة بالحديث المشار إليه, ويتبعون إيراده بالنص على من قواه وجوز الاحتجاج به, وذلك لوجود من يضعف الحديث من العلماء, وفي ذلك تقوية للقاعدة القانونية عند الاحتجاج بها.
في الحكم ما يدل على استدلال القاضي بالعقد المكتوب بين الطرفين, وأن التمديد لا يكون إلا بالعقد, وهذا اجتهاد واسع من القاضي يختلف عن المعمول به في المحاكم, وهو اجتهاد في محله, وبالذات في مثل هذه القضايا التي استقر في المحاكم أنها من القضايا المحسومة مسبقا لمصلحة المؤجرين.
اعتبر القاضي أن الغائب على حجته متى ما حضر, وهو المعمول به في المحاكم في حال لم يحضر الخصم للترافع عن نفسه, وقد ورد النص على ذلك في اللائحة التنفيذية لنظام المرافعات الشرعية, وهذا الإجراء يشبه كثيرا ما نص عليه نظام المرافعات في التماس إعادة النظر حيث جعل للمحكوم عليه غيابيا طلب ذلك بمجرد كون الحكم غيابيا, وقد فصلت في ذلك في مقالة سابقة.
وفيما يتعلق بالمدونة فقد أحسنت وزارة العدل حين قامت على توفيرها في موقعها على الإنترنت http://www.moj.gov.sa/ بجميع إصداراتها, كما أن الموقع يتضمن كذلك جميع أبحاث مجلة العدل الصادرة عن الوزارة وفيها الكثير من الأبحاث القضائية والفقهية والقانونية المقارنة وذلك من حين صدورها, وهي ثروة هائلة للمتخصصين.