نهضة إفريقيا .. هل توقفت؟ «1من 3»

مستقبل المنطقة الإفريقية يتوقف على عوامل أكثر بكثير من تقلبات أسعار السلع الأولية. هل وصلت طفرة التقدم في إفريقيا إلى نهايتها؟ لقد غير كثير من الدول في أنحاء القارة الإفريقية مساره خلال العقدين الماضيين وحقق مكاسب كبيرة تمثلت في ارتفاع الدخل والحد من الفقر وتحسين الصحة والتعليم. لكن يبدو أن مشاعر التفاؤل التي سادت أخيرا سرعان ما تراجعت وأفسحت المجال لموجة من التشاؤم. فأسعار السلع الأولية هبطت، والاقتصاد العالمي تباطأ، والنمو الاقتصادي توقف في عديد من دول إفريقيا جنوب الصحراء. وإذا كان ارتفاع أسعار السلع الأولية هو المسؤول وحده عن التقدم في الفترة الأخيرة، فإن الآفاق المحتملة لتحقيق مزيد من المكاسب تبدو معتمة. ولكن الحقيقة أكثر تعقيدا، والآفاق - خاصة على المدى البعيد - أكثر تنوعا مما يرى كثيرون في الوقت الحاضر. ومن المؤكد أن كثيرا من الدول يواجه بعض أصعب الاختبارات التي مر بها على مدى عقد أو أكثر، حتى في ظل إدارة سليمة، من المرجح أن يتباطأ التقدم في الأعوام القليلة المقبلة. لكن النمو سيظل قويا إلى حد كبير في حالة دول أخرى - خاصة الدول المستوردة للنفط التي تحقق مكاسب من صادرات أكثر تنوعا. ومن خلال نظرة أعمق، يتبين أن ارتفاع أسعار السلع الأولية ساعد كثيرا من الدول، لكن جذور مكاسب التنمية في العقدين الماضيين - حيث تحققت - تمتد إلى عوامل أساسية أعمق، منها تحسن الحوكمة، وتحسن إدارة السياسة، وظهور جيل جديد من القادة المحنكين في الحكومة وقطاع الأعمال، وهو ما يرجح استمراره في المستقبل.
أما التعامل مع تباطؤ النشاط العالمي - فضلا على مخاوف أخرى متزايدة مثل تغير المناخ - فسيقتضي توافر قيادة قوية، واتخاذ إجراء فعال، والاختيار بين بدائل صعبة. ويرجح تباطؤ النمو الكلي في الأعوام القليلة المقبلة. لكن على المدى البعيد، لا تزال هناك احتمالات قوية باستمرار تقدم عملية التنمية على نطاق واسع في كثير من دول المنطقة، خاصة تلك التي تعمل على تنويع اقتصاداتها، وزيادة قدراتها التنافسية، وتواصل تعزيز مؤسسات الحوكمة.
تباطأ النشاط في الفترة الأخيرة بعد عقدين من التقدم بقوة، في كثير من الدول على أقل تقدير، الذي بدأ في منتصف التسعينيات وتضمن نموا اقتصاديا أسرع، ومستويات دخل أعلى، وتراجعا في مستويات الفقر، وتحسن خدمات الصحة والتعليم على نطاق واسع، وغيرها من مكاسب التنمية)، بلغ متوسط نمو إجمالي الناتج المحلي على مستوى القارة نحو 4.3 في المائة في العام، أي أعلى بمقدار ثلاثة نقاط مئوية كاملة عن العقدين السابقين. لكن الإشارة إلى أن معدلات النمو السريع كانت عامة على مستوى القارة سيكون فيها شيء من التضليل. فكانت المعدلات متباينة بدرجة كبيرة حيث تحرك نحو نصف دول المنطقة قدما بينما شهد غيرها تغيرا طفيفا. وفي الدول الـ20 الأسرع نموا - ما عدا الدول المصدرة للنفط - بلغ متوسط نمو إجمالي الناتج المحلي نسبة قوية هي 5.8 في المائة على مدى عقدين، وارتفعت مستويات الدخل الحقيقي للفرد بما يزيد على الضعف. لكن وتيرة النمو في دول أخرى كانت أبطأ بكثير، بينما انخفض دخل الفرد في ثماني دول. وهناك بعض الفروق الواضحة: ففي رواندا، ارتفع الدخل الحقيقي للفرد بما يزيد على الضعف، بينما انخفض في زيمبابوي 30 في المائة. وحيث تسارعت وتيرة النمو، بدأ مستوى الفقر ينخفض في نهاية الأمر. وهبطت نسبة السكان الذين يعيشون في فقر مدقع (على أقل من 1.90 دولار يوميا بأسعار 2011 الثابتة) من 61 في المائة في 1993 إلى 43 في المائة في 2012، أي أنها تراجعت بنحو نقطة مئوية واحدة سنويا على مدى عقدين. وتراجع الفقر بمعدل أعلى في بعض الدول (كالسنغال مثلا) ولم يتراجع في دول أخرى على الإطلاق (جمهورية الكونغو الديمقراطية). وكانت أوجه تحسن الصحة أكبر من ذلك. فمنذ منتصف التسعينيات، انخفضت نسبة وفيات الأطفال قبل بلوغهم سن الخامسة بما يزيد على النصف، أي من 17 في المائة إلى 8 في المائة. ويلاحظ انخفاض نسبة وفيات الأطفال في كل دولة على حدة في إفريقيا جنوب الصحراء خلال العقدين الماضيين. وانخفضت الوفيات بسبب الإصابة بمرض الملاريا إلى النصف، وانخفضت الوفيات الناتجة عن كل من فيروس نقص المناعة البشرية / الإيدز والسل بمقدار الثلث. والتحق ما يزيد على ثلاثة أرباع الأطفال في المدارس الابتدائية، أي أن نسبتهم أعلى مقارنة بما لم يزد على النصف في الثمانينيات. والآن أصبح أكثر من ثلثي الفتيات يكمل مرحلة الدراسة الابتدائية، ما يرفع من إمكاناتهن لتحقيق الكسب؛ وبالقدر نفسه من الأهمية، فإن ذلك يعني أنهن سينجبن عددا أقل من الأطفال الذين سيتمتعون بمستويات صحية وتعليمية أفضل (وتبشر هذه الاتجاهات العامة بالخير في المستقبل، لأنها علامة على بدايات قاعدة قوية من مهارات رأس المال البشري... يتبع.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي