نهج الميزانية والأداء الاقتصادي المنشود

تعد الميزانية التي تصدرها القطاعات المختلفة جزءا مهما من آليات تقييم الأداء، وهي تتضمن مؤشرات عديدة، منها ما يتعلق بالمركز المالي، ومنها ما يتعلق بالعمليات. وتأتي الميزانية العامة للدولة بمؤشراتها المختلفة تقييما لأداء الأجهزة الحكومية المشمولة في الميزانية، ومن خلال مقارنات الموازنة المخططة في بداية العام بالبيانات الفعلية التي تتضمنها الميزانية العامة، ندرك حجم الأداء، ويمكن تقييم قضايا عدة من أهمها القدرة على تحصيل الإيرادات، وحجم الإنفاق العام، وتوجهات هذا الإنفاق، وهذا يساعد على رسم اتجاهات المستقبل. وقد قامت وحدة التقارير في "الاقتصادية" بتقديم تحليل للميزانية العامة للدولة للعام المالي 2018، وظهر التحليل متضمنا إيرادات تصل إلى ما يقرب من تريليون ريال "نحو 903 مليارات ريال"، بزيادة بقيمة 120 مليار ريال، ونسبة 15 في المائة، عما كان مقدرا في موازنة بداية العام "نحو 783 مليار ريال". هذا الأداء القوي للإيرادات العامة يعود في المقام الأول إلى تحسن أداء التحصيل، ويرجح التقرير المنشور في "الاقتصادية"، أن توريد الإيرادات في الجهات المختلفة بشكل مباشر للخزانة العامة للدولة، لكن عند تحليل الإيرادات، نجد أن الإيرادات النفطية قد تصل إلى نحو 603 مليارات ريال، مشكلة 67 في المائة من إجمالي الإيرادات، فيما من المتوقع أن تبلغ الإيرادات غير النفطية نحو 300 مليار ريال، لتمثل 33 في المائة من الإجمالي لعام 2018. وهنا نجد أيضا تحسنا واضحا في أداء القطاع غير النفطي، وأيضا أهمية استمرار النهج القائم من السيطرة على تقلبات أسعار النفط؛ نظرا لتأثيرها المباشر في الإيرادات، وقد أظهر تحليل "الاقتصادية" هذا بشكل واضح؛ حيث إن ارتفاع الإيرادات المحققة فعليا جاء نتيجة لارتفاع أسعار النفط عما بينته الميزانية؛ إذ بلغ متوسط سعر الخام العربي الخفيف، "الذي تنتجه وتصدره السعودية" خلال الأشهر الـ11 الأولى من العام الجاري 71.5 دولار للبرميل؛ ما يعني أن أسعار النفط ارتفعت العام الجاري 30 في المائة عما كان مقدرا في الميزانية البالغ 55 دولارا للبرميل.
في جانب المصروفات يتضح أن الأداء الفعلي قد أظهر زيادة في المصروفات لتبلغ نحو 1027 مليار ريال، وهو أعلى بقيمة 49 مليار ريال، ونسبة 5 في المائة، عما كان مقدرا في الميزانية البالغ نحو 978 مليار ريال، وهذا في حد ذاته إنجاز؛ حيث إن زيادة المصروفات العامة كانت دائما تتجاوز 20 في المائة، وإذا تم تحليل أسباب زيادة المصروفات هذا العام، نجد أنها كانت تصب في مصلحة المواطن مباشرة؛ حيث يظهر تقرير "الاقتصادية" أن هذه الزيادة نتيجة عودة العلاوة السنوية في السنة المالية 2018، وقرار بدل غلاء معيشة للمواطنين للسنة المالية 2018. وفي ظل هذه الأسباب، فإن نسبة الانضباط في الصرف كانت عالية جدا مقارنة بأي سنة أخرى، ويشير أيضا إلى أن إجراءات المالية العامة لضبط النفقات تؤتي ثمارها، ومع ذلك فإن الآثار البعيدة المدى لهذا الأداء، ستظهر مع المشاريع الرأسمالية، التي سيتم الانتهاء منها تباعا، كلما مضت سنوات برنامج التوازن المالي وبقية برامج "رؤية المملكة 2030".
في جانب العجز، وهو الأهم أخيرا؛ نظرا لارتباطه بقضايا عدة، فإن الملاحظ في ظل هذه المعطيات السابقة من تحسن الإيرادات وضبط الإنفاق، أن يكون التراجع في العجز ظاهرا بجلاء، وهذا ما حدث فعليا، وعلى العكس أيضا من الحال في سنوات مضت؛ حيث إن الزيادة في الأداء الحكومي دائما تترتب عليها زيادة المصروفات وزيادة العجز، لكن هذا الحال انعكس الآن مع برامج التوازن المالي، ونحن نشهد تراجع العجز تدريجيا مع انضباط عالي الأداء في المالية العامة، ولهذا فإن البيانات أظهرت أن العجز في الميزانية قد انخفض خلال الأشهر التسعة الأولى من العام الجاري 2018، بـ 60 في المائة، بما يعادل 72.5 مليار ريال، ليبلغ نحو 49 مليار ريال، مقابل 121.5 مليار ريال في الفترة نفسها من العام الماضي. وهذا أداء قوي جدا، ويشير إلى أن نمو الدين العام سيتناقص تدريجيا، مع استمرار ارتفاع نمو الناتج المحلي، وبذلك تبقى مؤشرات الأداء العامة متوازنة بشكل رائع. وإذا استمر نهج المالية العامة، فإن توقعات الوصول إلى التوازن المنشود ستكون أقرب من التوقعات، ومع ذلك فإن وضع تقدير عند عام 2023، مناسب مع هذه التصورات.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي