رمضان مكة المكرمة والعطاء الأمني المتميز

[email protected]

يقول المصطفى عليه الصلاة والسلام "لمؤمن عامل أحب إلى الله من مؤمن عابد"، هذا التوجيه النبوي على قدر ما عاش الواحد منا معه عمر إلا إن فهمه من أرض الواقع لم يتجسد لي بشكل واضح وصادق إلا خلال شهر رمضان وفي المسجد الحرام عندما رأيت ملايين المسلمين الذين يفدون إلى المسجد الحرام لأداء العمرة والصلاة بالمسجد كل الفروض وصلاة التراويح والقيام، لقد كان مشهد ملايين البشر يومياً تدخل وتخرج من المسجد الحرام والساحات المحيطة به كل معتمر ومصل من الجنسين لا يهتم إلا بنفسه، الطرق للمشاة سالكة والأمن منضبط، وفي الوقت نفسه هناك رجال يعملون ويسهرون على راحة هذه الألوف المؤلفة من المسلمين الداخلين والخارجين للمسجد الحرام، هؤلاء الرجال يؤخرون أداء الصلاة المفروضة ولا يشاركون في صلاة التراويح والقيام لقيامهم على أداء العمل الذي يجعل رواد المسجد الحرام في أمن وراحة بال.
إن رجال الأمن من مختلف القطاعات الأمنية كان لهم دور عظيم في بسط هذا الإحساس بالراحة والطمأنينة والأمن، لقد تمثل قول المصطفى عليه الصلاة والسلام "لمؤمن عامل أحب إلى الله من مؤمن عابد" على هؤلاء الصفوة من رجال الأمن وزملائهم في القطاعات المدنية الأخرى، لقد شاهدت كيف يقف هؤلاء الرجال والنساء لضبط الأمن وحماية المعتمرين والمصلين، يعملون الليل بالنهار والناس بين نائم وقائم يصلي في جنبات المسجد الحرام، لم يترك أحدا من رجال الأمن موقعه لأي سبب ولا تجد في أنفسهم غضاضة من أنهم يعملون وغيرهم يصلون ويدعون الله التوفيق والعون والرزق، بل تشعر أنهم يشاركون الناس هذه الفرصة العظيمة بالوقوف بين يدي الله سبحانه وتعالى في هذا الشهر الفضيل.
إن إحساس رجال الأمن بأن ما يقومون به تقرباً إلى الله سبحانه وتعالى وأنها عبادة سوف يتقبلها إن شاء الله سبحانه بالأجر والثواب، لقد شاهدت مئات المعتمرين والمصلين وهم يشكرون رجال الأمن على جهودهم ويؤكدون لهم أن مثل هذا العمل هو تقرب إلى الله وأعظم أجر في يوم لا ينفع فيه مال ولا بنون.
لقد استشعرت عظمة هذا الحديث المبارك للمصطفى عليه الصلاة والسلام في هذا الموقف الرمضاني المبارك، وكيف أن هؤلاء الرجال وزملاءهم وعلى مدار شهر كامل يقومون بهذا العمل العظيم الذي لا يقدره إلا من يفقده.
تساءلت لو ترك رجال الأمن دورهم في العمل في هذه الساعات العصيبة وقالوا لماذا لا نصلي كما يصلي المصلون ونعتمر كما يعتمر المعتمرون ونرتاح كما يرتاح المرتاحون النائمون في جنبات المسجد الحرام، ونتفرغ للعبادة كما هم متفرغون، كيف سيكون حال التنظيم وحال خشوع المصلين وحال الطائفين والساعين بين الصفا والمروة ،هل سيجد الخارج من المسجد طريقا يسلكه أم هل سيجد الساجد مكانا يضع فيه جبينه أم هل يجد المصلي الراحة والطمأنينة والأمان على نفسه وماله في وقت وللأسف الشديد أنعدم فيه الضمير الحي والخوف من الله سبحانه وتعالى فنجد من يتجرأ على السرقة أمام الحجر الأسود في المطاف أو من يمارس بعض السلوكيات الفاسدة وشيء من الرذيلة كما أن هناك العديد من الأشخاص الذين لا يحترمون كبيرا ولا يعطفون على صغير ولا يراعون معوقا أو عاجزا فتجدهم في بيت الله الحرام يسيرون ويقضون حاجاتهم وفق نظرية "أنا ومن بعدي الطوفان" ولولا الله سبحانه وتعالى أولاً ثم رجال الأمن لاختلط الحابل بالنابل ولهلك العديد من المعتمرين والمصلين في بيت الله الحرام.
لأقرب الصورة للقارئ العزيز، لكم أن تتخيلوا مكانا لا تزيد مساحته على أربعة كيلو مترات مربعة يجتمع فيه يومياً ملايين البشر يدخلون ويخرجون أكثر من سبع مرات يومياً يتطلب دخولهم وخروجهم تنظيما فوق المعتاد كما أن أغلب هؤلاء الداخلين والخارجين من كبار السن والعجزة و الأميين ومن ثقافات ومجتمعات ولغات مختلفة يصعب التفاهم مع العديد منهم وقليل منهم وللأسف الذي يتعاون مع المنظمين من رجال الأمن وزملائهم في القطاعات المدنية الأخرى.
إن الإحساس بعظمة هذا التوجيه النبوي أولاً ثم الأخذ به في حياتنا اليومية سوف يغير الكثير من سلوكياتنا وينتقل بنا إلى مجتمع يقود العالم نحو الأفضل ويقضي على النظرة السلبية أو السوداوية عن الإسلام والمسلمين والتي انطبعت في أذهان العديد من شعوب العالم لاعتقادهم أن الدين الإسلامي دين فوضى وإرهاب وقلة عطاء وانعدام تطوير وضعف إيثار أو عمل جاد ،إن العالم الإسلامي والعربي اليوم أحوج ما يكون للتأكيد على أن المؤمن العامل أحب إلى الله من المؤمن العابد.
المملكة العربية السعودية ومن خلال نموذج إدارة الحرم الشريف وهذه الكوكبة من رجال الأمن المخلصين لدينهم ومليكهم ووطنهم خير مثال على تحقيق التوجيه النبوي الكريم وهو ما يساعد بإذن الله على تحقيق طموحنا جميعاً في بلد سعودي الانتماء عربي اللسان إسلامي المعتقد عالمي الطرح والإرادة.
شكراً لكل من وقف في هذا المكان المقدس وقدم هذا العمل العظيم، وأسأل الله سبحانه وتعالى أن يتقبل من الجميع صيامهم وقيامهم ودعاءهم وأن يجعل عملنا جميعا خالصاً لوجهه الكريم. عيدكم مبارك وكل عام وأنتم بخير.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي