ثقافة الاستهلاك الخاطئة خلف ارتفاع الأسعار
نشرت "الاقتصادية" في عددها رقم 5445، أن لجنة خاصة في مجلس الشورى السعودي، تعكف على دراسة مشكلة ارتفاع أسعار المواد الأساسية في السوق المحلية ومدى تأثير ذلك في مشاريع التنمية، بما في ذلك وضع الحلول والتوصيات المقترحة للتعامل مع هذه الأزمة بشكل نهائي قبل أن يتم رفعها إلى مقام خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز ـ يحفظه الله -.
تجدر الإشارة إلى أن الاقتصاد السعودي قد سجل نسب تضخم مرتفعة خلال العامين الماضيين، التي تعد الأعلى منذ 30 عاما، حيث ارتفعت نسبة التضخم إلى أكثر من 9.5 في المائة في نهاية العام الماضي لتصل إلى نحو 11 في المائة في تموز (يوليو) من العام الجاري، وذلك بسبب ارتفاع تكاليف المعيشة المرتبطة بأسعار الأطعمة والمشروبات وقيمة إيجارات الوحدات السكنية، التي زادت أسعارها ببعض الوحدات بأكثر من 25 في المائة.
من بين أبرز الحلول التي ناقشتها اللجنة المذكورة في مجلس الشورى للتعامل مع مشكلة التضخم في السعودية وفقما نشر في الخبر أعلاه، (1) تبني استراتيجية اقتصادية عامة متكاملة لمكافحة التضخم وارتفاع الأسعار تعتمد في المقام الأول على استخدام أدوات السياسات النقدية، والمالية، والإنتاجية، والاستثمارية بشكل متكامل ومتناسق فيما بينها، بما في ذلك إتباع سياسة مالية وسياسة نقدية مرنة تراعي المستجدات الحالية والمستقبلية وتحقق التنفيذ لمشاريع التنمية. (2) الاستمرار في منع تصدير مواد البناء عامة والحديد خاصة لمدة ثلاث سنوات. (3) وضع مؤشر رسمي لأسعار مواد البناء المختلفة وأن تتم ترسية المشاريع بناء على أسعار المؤشر. (4) التفكير في موضوع فك ارتباط الريال السعودي بالدولار الأمريكي وربطه بسلة عملات كأحد الحلول لمواجهة ارتفاع الأسعار وتزايد وتيرة حدة التضخم في السعودية، بينما تضمنت توصية أخرى إعادة النظر في قيمة الريال مقابل الدولار، بإعادة تقييم سعر صرف الريال مقابل الدولار وتعديله بالرفع مع بقاء الربط بين العملتين.
مؤسسة النقد العربي السعودي (ساما) التي تمثل البنك المركزي في السعودية، هي الأخرى لم تقف مكتوفة الأيدي أمام التعامل مع مشكلة التضخم التي تشهدها السعودية، حيث قد اتخذت العديد من الإجراءات المصرفية الاحترازية، بهدف كبح جماح التضخم في البلاد، التي من بينها على سبيل المثال لا الحصر: (1) رفع نسبة الاحتياطي القانوني Statutory Reserves على الودائع النقدية الجارية تحت الطلب من 12 في المائة إلى 13 في المائة وكذلك على الودائع الزمنية لأجل من 2 في المائة في السابق إلى 4 في المائة، وذلك بهدف التحكم في كمية السيولة المتوافرة بالنظامين المصرفي والنقدي. (2) إبقاء معدل اتفاقيات إعادة الشراء Repo Rate عند مستواه السابق والبالغ 5.5 في المائة، وخفض معدل اتفاقيات إعادة الشراء المعاكس Reverse Repo Rate بمقدار 25 نقطة أساس ليصل إلى 2 في المائة وذلك بنهاية الربع الثاني من العام الجاري.
الحكومة السعودية قد تنبهت في وقت سابق لمشكلة التضخم في السعودية والارتفاع في مستوى أسعار السلع والخدمات، وأصدرت تبعاً لذلك عدد من القرارات الحكومية، التي من شأنها تخفيف العبء المالي عن كاهل المواطن، والمساهمة الفاعلة في التخفيف من حدة ارتفاع الأسعار، التي من بينها على سبيل المثال لا الحصر: (1) إقرار بدل غلاء معيشة سنوي بنسبة 5 في المائة بشكل تراكمي لمدة ثلاث سنوات. (2) دعم عدد من المواد الغذائية الأساسية، مثال الحليب، والأرز والقمح وخلاف ذلك. (3) تخفيض قيمة رسوم عدد من الخدمات الأساسية، مثال رسوم الموانئ، وإصدار جوازات السفر ورخص السير وإلى غير ذلك.
على الرغم من الجهود التي بذلتها الحكومة السعودية خلال الفترة الماضية، بهدف كبح جماح التضخم وارتفاع أسعار السلع والخدمات بالأسواق المحلية، إلا أنه في رأي سيظل نجاح تلك الجهود أمراً مرهوناً ومرتبطاً بقدرة أفراد المجتمع السعودي على تغيير أنماطهم وسلوكياتهم الاستهلاكية الخاصة المرتبطة باستخدام السلع والخدمات، التي لا تكاد تخلو في معظم الأحيان من مظاهر الإسراف والتبذير والمبالغة، بحكم العادات والتقاليد الاجتماعية، الأمر الذي يؤكد عليه على سبيل المثال مع قرب شهر رمضان المبارك من كل عام تسابق الناس على المراكز والمحال التجارية على شراء السلع الغذائية بما يزيد على الحاجة الفعلية، مما يتسبب في ارتفاع أسعار ذلك النوع من السلع بشكل كبير بنسب قد تتجاوز ببعض الحالات نسبة الـ 10 في المائة، كما أن مثل تلك السلوكيات والأنماط الاستهلاكية الخاطئة، تحفز المراكز والمحال التجارية على التهافت والتسابق إلى تقديم عروضها التسويقية المختلفة كمحاولة منها لتشجيع الزبائن على الاستهلاك، مما يضاعف من مشكلة الإسراف والتبذير في المأكل والمشرب خلال ذلك الشهر الكريم، على الرغم من أن عددا من الدعاة قد أوضحوا أن مثل هذا النوع من الإسراف والتبذير يهدد استفادة المسلمين من حكمة الصيام وكيفية استغلاله بما يعود بالنفع على الإنسان الصائم وشعوره بحاجة الضعفاء والمساكين والمحتاجين من أفراد المجتمع، لا سيما أن للإسراف والتبذير في الطعام والشراب عواقب وخيمة.
خلاصة القول، في رأيي أن نجاح جهود الحكومة السعودية الرامية للقضاء على مشكلة التضخم في البلاد وظاهرة ارتفاع الأسعار، سيظل أمراً مرهوناً بمدى قدرة المستهلك السعودي بالتعاون معها والاستجابة لها، من خلال الترشيد في الاستهلاك والإنفاق، الأمر الذي يؤكد عليه مطالبة مجلس الوزراء السعودي عدد من الوزارات بالرفع من الوعي الاستهلاكي لدي المواطنين والمقيمين على حد سواء، ليتحقق عن ذلك الترشيد في الاستهلاك ثم الترشيد في الإنفاق، مما سينعكس بشكل إيجابي آجلا أم عاجلاً على مستوى الأسعار ونسبة التضخم في السعودية، وبالله التوفيق.
مستشار وكاتب اقتصادي