إعاقة مخارج الطوارئ كارثة في حد ذاتها
رعى خادم الحرمين الشريفين ـ يحفظه الله ـ في شهر ذي القعدة من عام 1426هـ أول مؤتمر دولي لكود البناء السعودي, وجاء انعقاد المؤتمر بعد طول انتظار فكان وقتها حدث الساعة وحديث الناس ومحور اهتمام جهات عدة نظريا وعمليا. أقيم المؤتمر ليحقق أربعة أهداف رئيسة، أهمها نشر ثقافة الكود في المجتمع لتتكامل جهود المؤسسات المدنية مع جهود الأفراد للوصول لوحدة عمل قياسية في تشييد المباني وصيانة القائمة حاليا والحفاظ على سلامتها. بعد شهرين تقريبا من هذا العام 1429هـ ستمضي ثلاث سنوات على إقامة المؤتمرات وتبدأ الأسئلة والتساؤلات في البروز: ما مدى ما تحقق مما تمت التوصية به؟.. وهل يمكن قياس أداء الإدارة أو الإدارات التي كلفت بالاهتمام بإعداد وتطبيق كود البناء السعودي؟ في الواقع أستطيع القول إن الوضع ضبابي معلوماتيا وغير ناضج تنفيذيا وغير مناسب قياسيا وعلامات الاستفهام كثيرة حول المتابعة، ولئلا نلقي الكلمات جزافا فلنأخذ أحد أهم المحاور في بناء أو تشييد المباني الخدمية أو التجارية أو السكنية وهو "مخارج الطوارئ". إلى ما قبل كتابة هذه المقالة مازالت هناك مخارج طوارئ عبارة عن أبواب مغلقة أو معوقة بأكوام من المخلفات أو الأثاث أو في غير مواقعها حسب التصميم الأساس أو أن الإشارات لا تدل عليها بالضبط أو أنها موجودة على الورق وغير موجودة على الطبيعة. لوحظ أيضا أن بعض رجال الأمن والسلامة في هذه المباني أو تلك ما زالوا يستقون معلوماتهم وبعضا من تدريبهم من الأعلى منهم مرتبة أو رتبة أو من خلال أشرطة الفيديو أو مقاطع صورية على جهاز حاسب وليس على أيدي أجهزة أو معاهد أو مؤسسات متخصصة في التدريب. هذا يعني أنه في حالة حدوث طارئ فالكل سيتحرك على غير هدى وبعشوائية مكلفة جدا بشريا وماديا وعندها لن يشفع لأحد إلقاء اللوم على هذا أو ذاك. إن تكرار حوادث الحرائق والاختناقات في المباني الخدمية تعليمية كانت أم صحية أو في المعامل والمصانع والمحال التجارية وخلافها في ظل عدم تطبيق كود البناء سيتسبب في زيادة أعداد الوفيات أو الإصابات الخطرة مما يضيف لخدماتنا الصحية أعباء جديدة ستجعلنا نمضي في إنشاء المستشفيات ونتخذ قرارات لا تشكل سوى معوقات جديدة للتصحيح والتنظيم والتطوير. هذا يعني أن الحلقات تزداد ارتباطا بين المؤسسات المدنية ولم تعد المسؤولية متعلقة بجهة واحدة أو حتى فردية. اعلم تماما أن اعتماد كود البناء لا يعني تحقيق السلامة وجودة البناء بين ليلة وضحاها ولكن مع المتابعة ومراقبة تصاميم المكاتب الهندسية والتأكد من التزامها بالكود تصميما وتنفيذا فعليا سيوقف دخول بعض المقاولين والمستثمرين الذين لا يهدفون إلا للربح السريع وسينقي الموجود من الدخلاء اللامبالين. كما أنه سيرفع من الحس الفردي حيال التعامل مع مثل هذه القضايا لتحقيق أهم محور في المؤتمر المذكور سابقا.
كل الأبحاث والدراسات تؤكد أن الهلع والزحام عند مخارج الطوارئ تسببا في ازدياد أعداد ضحايا الحرائق أو الانفجارات أو انهيارات المباني أكثر من الحوادث نفسها. في إحدى الدراسات رصد أكثر من 40 في المائة من العاملين (وأكثرهم الرجال) لا يعرفون ماذا يجب القيام به بالترتيب إذا ما قرع جرس الإنذار في مبنى العمل, فمنهم من يحار بين الانتظار للتعليمات أو الهروب دون تفكير للنجاة, ومنهم من يتجه نحو المخارج الرسمية اليومية لعدم معرفته الفرق بينها وبين مخارج الطوارئ وهكذا. في بحث آخر لم يستطع قرابة الـ 20 في المائة من العاملين (المدربين بين فترة وأخرى) التصرف بعقلانية في الوهلة الأولى من حدوث الطارئ، حيث يعم الارتباك والحيرة والتردد ولو إن المخارج أعطيت أهمية كبيرة في التدريب وخلو ممراتها من المعوقات لكان الوضع أكثر تقبلا من ناحية أعداد وأنواع ضحايا الحادث. إذا كان الارتباك الدال على عدم المعرفة مع سوء وضع المخارج أكبر وأكثر الأسباب وراء الكوارث البشرية في مجتمعات اهتمت بالبحث ونشرت معلوماته لنشر المعرفة, فكيف يمكن أن نتصور ذلك في مجتمعنا اليافع الذي لا يزال يشق طريقه نحو المعرفة وما زال تطبيق الكود "تجريبيا"؟
إن الوضع الراهن الذي تشهده المملكة من نهضة عمرانية لم يسبق له مثيل وإذا كانت بعض التوقعات تشير إلى حاجتنا إلى 120 ألف مهندس سعودي يعول عليهم التحرك بروح المواطنة لتغطية النقص والعجز فنحن على الأقل نحتاج إلى عشر سنوات مع إعادة تركيب معادلة القبول في التخصصات الهندسية، ريثما نبتكر آليات أكثر فاعلية فقد يقترح أن تتكامل جهود الهيئة السعودية للمقاولين والهيئة السعودية للمهندسين والهيئة السعودية للمواصفات والمقاييس ووزارة الشؤون البلدية والقروية بإداراتها المختصة وإدارة الدفاع المدني وإدارات الأمن والسلامة بكل جهة ومرفق خدمي أو تجاري كبيرا كان أم صغيرا, لتنفيذ ما تم إقراره قبل ثلاثة أعوام على أقل تقدير في مناطق مكة المكرمة والمدينة المنورة. كما لا بد أن يؤخذ في الاعتبار أن تطبيق كود البناء ليس فقط اشتراطات ورقية ومذكرات يحملها المفتشون مهندسين أو غيرهم, فاستمرار رصد فرق الأمانات الميدانية في مناطق المملكة لمخالفات المباني المختلفة لاشتراطات الأمن والسلامة إضافة إلى ملاحظات هندسية أخرى دليل على بقاء أوضاع هي في حاجة ملحة للتصحيح, فهل سنستغل الأشهر الثلاثة المقبلة في تعديل أوضاع هذه المباني وغيرها؟