مراكز تنمية المهارات:بناء الإنسان أم سرقته باسم التطوير؟

[email protected]

انتشرت أخيراً معاهد تنمية المهارات، لتتيح فرصة تجارية لعديد من المهتمين بالجوانب الذاتية في الشخصية، حتى لا تكاد تخلو صحيفة من مجموعة إعلانات حول موضوعات مثل: إدارة الوقت، المبيعات، العلاقات الشخصية، الذكاء العاطفي، وغير ذلك. وساعد ذلك على انتشار عشرات من الكتب المختصة بمساعدة الذات، التي بدأت تزحف على رفوف المكتبات وتقصي غيرها إلى أسفل المكتبة أو خارجها. وهذه الطفرة الكمية في مراكز التدريب وتطوير المهارات تدفعني اليوم لمناقشة هذا الموضوع من عدة محاور:
الأول: إن انتشار مثل هذه المعاهد والبرامج لهو مؤشر جيد على نضج المجتمع، والبحث عن البناء الحقيقي والاستثمار الأمثل. ومثل هذه البرامج لم تكن واردة قبل عشرين سنة مثلاً، وهو نمو طبيعي لحاجة السوق وتطور مهارات الاستجابة لمتغيراته عند المجتمع، والبحث عن آليات علمية وسليمة لكسب مواقع متقدمة فيه بناءً على آليات عمله والمهارات التي يرتكز عليها.
الثاني: إن إصرار عديد منا على دفع مبالغ مالية (كبيرة في بعض الأحيان) لقاء دورات تطوير مهاراتهم الذاتية لهو أكبر دليل على التحولات الاجتماعية التي تتسم بالمهنية والحرفية، حيث نعيش في فترة اقتنع فيها المجتمع بأن أفضل وسيلة للارتقاء في السلم الوظيفي أو الاجتماعي أو المهني هو من خلال تطوير مهارات الذات، وهذا هو التفكير الصحيح الذي سيعود بالنفع على الفرد والمجتمع.
الثالث: مع كثرة هذه المراكز ينبغي التركيز على الجودة فبالتأكيد يندس من بينها برامج تجارية بحتة لا تفيد المتلقي، وتعتبر هدراً للموارد الاقتصادية لكثير من الأفراد. وينبغي للجهات المعنية فرض رقابة نوعية صارمة على محتوى هذه البرامج، وطريقة التدريب فيها، واشتراط حد أدنى من النتائج، وربط المراكز ببرامج عالمية تضمن التطور والمنافسة المبنية على أسس سليمة مهنية، والالتفات إلى آراء الذين تلقوا البرنامج والاستفادة من تقييمهم له، وإدخاله ضمن معايير التقييم النهائية للبرنامج والمركز.
الرابع: يفاجئنا بعض الأسماء الشهيرة لتكون من عداد المدربين، منتهزين فرصة شهرتهم لتدر عليهم مزيداً من المال والشهرة، وكأن نجاحهم في مجال معين كفيل بنجاحهم كذلك في مجال التدريب والمهارات العامة. والواجب إلزام مراكز التدريب بالتقيد بمدربين مصرح لهم بمزاولة المهنة، من خلال حصولهم على شهادات تدريب دولية فالتدريب مهنة يجب عدم الانتقاص منها، ويلزم من القدرة على تنفيذها توافر العديد من المهارات والقدرات، ولو لا ذلك لما كان للتصريح بمزاولة المهنة أي فائدة تذكر. وإن وجود هؤلاء المرتزقة ممن يقدمون هذه الدورات وهم غير مهيئين لها يؤدي دوراً معاكساً لهدف انتشارها، حيث تعيدنا لعقلية الفرد البطل القادر على القيام بكل شيء دون أن يخضع للطرق الاحترافية لاكتساب هذه المهارات.
الخامس: مما يؤسف له أنه يوجد أشخاص يدفعون مبالغ لقاء حضور هذه البرامج، ولكنهم لا يأخذونها بالجدية اللازمة. وكأن هذه البرامج تعمل عمل السحر، فبمجرد دفع الرسوم، والحضور إلى مركز التدريب فإن نتائجها تتحقق دون أي جهد يذكر من جانب المتلقي. إن وجود هذه المراكز مؤشر جيد على الارتقاء بالتفكير الاحترافي للمجتمع السعودي، ويجب أن يصاحبه جدية في الممارسة. أكاد أجزم أنه يندر بين المتدربين من يبذل الوقت اللازم للتحضير لكل جلسة تدريب أو الاستعداد بالقراءة اللازمة قبلها أو بعدها. والمؤلم أن كثيرا من المراكز بدأت في مجاراة هؤلاء المتدربين الكسالى وتصميم دورات مخصصة لهم لا تحتوي على أي جهد يذكر، لا من المتدرب، ولا المدرب.
وختاماً، وبعد طرح ما لدي حول هذه المراكز سلباً وإيجاباً، أراها بحق مؤشراً إيجابياً على تطور المجتمع نحو الاقتصاد المبني على المعرفة المستقاة بالطرق السليمة، واستثماراً في أفضل الموارد وأكثرها مردوداً: الإنسان.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي