ملامح الحماية القانونية لتجارة المعادن الثمينة (3 – 3)
قررت المادة (20) من نظام المعادن الثمينة والأحجار الكريمة بأن يتم الفصل في مخالفات هذا النظام ولوائحه من قبل لجنة تشكل بقرار من وزير التجارة من ثلاثة أعضاء يكون من بينهم مستشار شرعي أو نظامي، ويجوز التظلم من قرارات هذه اللجنة أمام ديوان المظالم خلال مدة لا تتجاوز ستين يوماً من إبلاغ المحكوم عليه بقرار العقوبة.
ويلاحظ من نص المادة المذكورة آنفاً أن النظام اشترط في تشكيل لجنة المحاكمة توافر عضو من ذوي الاختصاص والخبرة في المجال الشرعي أو النظامي (القانوني) كحد أدنى.
واشتراط النظام توافر هذا العنصر في تشكيل هذه اللجنة يعتبر أمراً متعلقا بالنظام العام وبالتالي لا يجوز إغفاله وتبعا لذلك يترتب على عدم توافر هذا العنصر بطلان تشكيل اللجنة وبطلان جميع إجراءاتها وقراراتها. ويبدو أن الهدف من اشتراط توافر عنصر شرعي أو قانوني واحد على الأقل في تشكيل اللجنة هو توفير ضمانة مهمة للمتهم لأن عمل اللجنة يعتبر في جوهره عملاً قضائيا في المجال الجنائي، وأن ذلك يقتضي وجود عنصر واحد على الأقل من المؤهلين علميا وعمليا في الشريعة أو القانون. وجدير بالذكر أنه ليس ثمة ما يمنع من أن يكون جميع أعضاء اللجنة من المستشارين الشرعيين أو القانونيين إلا أن ذلك يعتبر وفقا لمفهوم المادة (20) أمرا جوازيا وليس وجوبيا، فالأمر الوجوبي – كما سلف القول – هو أن يكون أحد أعضائها من هؤلاء المستشارين، بيد أنه نظرا لأن هذه اللجنة تعتبر في الواقع بمثابة هيئة قضائية متخصصة في الفصل في أنواع محددة من قضايا جرائم الغش التجاري، فإن الأفضل أن يكون جميع أعضائها من المستشارين الشرعيين أو القانونيين ولذلك فإنني أرجو أن يعدل المشرع السعودي المادة (20) من نظام المعادن الثمينة والأحجار الكريمة على النحو الذي يوجب أن يكون جميع أعضاء اللجنة المذكورة من المستشارين الشرعيين أو القانونيين.
ومن ناحية أخرى وبالرغم من أن (الادعاء العام) يعتبر عنصرا أساسيا في أي دعوى جنائية، إلا أن النظام لم يتضمن نصا يفيد تمثيل ( الادعاء العام) في تشكيل هذه اللجنة، ونرى أن من الضروري النص في النظام على تمثيل الادعاء العام ووجوب حضوره جلسات اللجنة كشرط لصحة انعقادها تطبيقا للقواعد العامة في هذا الشأن وأسوة بما هو معمول به في العديد من اللجان الإدارية ذات الاختصاص القضائي مثل مكاتب الفصل في منازعات الأوراق التجارية.
ووضعت اللائحة التنفيذية للنظام القواعد والإجراءات التي تباشر بموجبها هذه اللجنة اختصاصاتها المحددة في النظام. فقد نصت المادة (28) من اللائحة التنفيذية بأن يتولى رئيس اللجنة – الذي يحدده القرار الصادر بتشكيلها – الإشراف على أعمالها وتحديد مواعيد الجلسات وتوزيع العمل بينه وبين أعضائها.
كما قررت المادة (29) من اللائحة بأن يخطر ذوو الشأن بموعد الجلسة المحددة لنظر المخالفة قبل الموعد المذكور بأسبوع على الأقل على أن يتضمن الإخطار بيان التهمة المنسوبة للمخالف وتكليفه بالحضور لسماع أقواله، وتقديم ما يعن له من مستندات كما يجوز للجنة إذا رأت وجهاً لذلك استدعاء الموظف الذي قام بضبط المخالفة لاستيضاح أية مسألة تتصل بها.
وأوضحت المادة (35) من اللائحة كيفية الأخطار بمواعيد الجلسات وتسليم القرارات حيث نصت بأن يكون إخطار ذوي الشأن بمواعيد الجلسات وبالقرارات الصادرة من اللجنة بتسليمها إليهم شخصياً أو لمن يعمل لديهم أو ينوب عنهم قانونا, وإذا امتنع ذوو الشأن عن الاستلام أثبت ذلك واعتبر الإخطار سليماً.
ومنحت المادة (30) من اللائحة اللجنة صلاحيات استيفاء ما تراه من تحقيقات ومعاينات, حيث نصت هذه المادة بأنه يكون للجنة استيفاء ما تراه من تحقيقات وكذا القيام بالمعاينات اللازمة لمكان الضبط إذا قدرت ضرورة ذلك، ولها في هذه الحالة إجراء المعاينة بكامل هيئتها أو بندب أحد أعضائها لهذا المهمة على أن يقدم للجنة تقريرا بنتيجة المعاينة.
وبينت المادة (32) من اللائحة التنفيذية النصاب القانوني لصحة اجتماع اللجنة وكيفية إصدار قراراتها حيث نصت بأن (لا يكون اجتماع اللجنة صحيحا إلا بحضور جميع أعضائها وتصدر قراراتها بالأغلبية ويتولى كل عضو إعداد القرارات التي يعهد إليه بإعدادها).
وحتى لا تبقى دعاوي المخالفات معلقة دون حسم مدة طويلة فقد أوجبت المادة (31) من اللائحة بأن تفصل اللجنة في المخالفات المحالة إليها على وجه السرعة, ومع ذلك إذا اقتضى الأمر نظر المخالفة في أكثر من جلسة يراعى أخطار من يتخلف من ذوي الشأن عن حضور إحدى الجلسات بموعد الجلسة التالية.
ولم يقرر النظام ولائحته التنفيذية وجوب عقد جلسة علنية للنطق بالحكم إذ اكتفت المادة (33) من اللائحة التنفيذية بأن يخطر ذوو الشأن بصورة من القرار الصادر في حقهم وينص فيه على حقهم في التظلم من قرارات اللجنة أمام ديوان المظالم خلال مدة لا تتجاوز 60 يوماً من إبلاغ المحكوم عليه بقرار العقوبة حسبما تنص على ذلك المادة (20) من النظام وأكدت المادة 34 من اللائحة أن قرارات اللجنة لا تعتبر نهائية إلا بعد انتهاء فترة التظلم المشار إليها في المادة 20 من النظام دون تقديمه أو بعد رفضه في حالة تقديمه.
ومن نافلة القول إن ديوان المظالم ينظر في التظلمات ضد قرارات اللجنة وفقا لقواعد المرافعات والإجراءات الخاصة به.
ويتضح مما تقدم أنه يترتب على انقضاء الميعاد المقرر للتظلم دون رفعه إلى ديوان المظالم، عدم جواز التظلم بعد ذلك، أي سقوط الحق في التظلم، فإذا رفع المحكوم عليه التظلم بعد انقضاء ميعاده، كان غير مقبول شكلاً، وتعين على ديوان المظالم الحكم بعدم قبول التظلم. ويترتب على ذلك نتيجة مهمة وهي صيرورة القرار نهائياً وواجب النفاذ. ومن ناحية أخرى يترتب على قابلية قرار اللجنة للتظلم منه ما يترتب على استئناف الأحكام الجنائية بصفة عامة من أثر يتمثل في إيقاف تنفيذها. ويعني ذلك أن تنفيذ القرار يوقف خلال مدة الستين يوماً المحددة كميعاد للتظلم منه، فإذا رفع المحكوم عليه التظلم خلال هذا الميعاد، ظل التنفيذ موقوفاً حتى يفصل ديوان المظالم فيه. وإذا قرر ديوان المظالم تأييد القرار المتظلم منه أصبح هذا القرار نهائيا وواجب النفاذ. بيد أنه طبقاً للمادة (42) من قواعد المرافعات والإجراءات أمام ديوان المظالم، يجوز للمحكوم عليه أن يطلب إعادة النظر في القرار النهائي إذا ظهرت وقائع أو قدمت أوراق لم تكن معلومة وقت المحاكمة وكان من شأنها تبرئة المحكوم عليه، ويجب في هذه الحالة أن يقدم الطلب خلال 30 يوماً من تاريخ العلم بذلك مشتملاً على الحكم وأسباب إعادة النظر، وعندئذ يحيل رئيس ديوان المظالم أو من ينيبه هذا الطلب إلى الدائرة التي أيدت قرار اللجنة. ومن ناحية أخرى فإنه بناء على المادة (205) من نظام الإجراءات الجزائية يمكن القول إن ديوان المظالم يملك سلطة نفض القرار المتظلم منه كلياً أو جزئياً لصالح المتظلم كأن يخفف العقوبة المحكوم بها لظروف واعتبارات يراها تستوجب ذلك، ولكن لا يجوز له أن يعدل القرار على نحو من شأنه الإضرار بالمتظلم كأن يحكم بعقوبة أشد من تلك التي حكمت بها اللجنة إعمالاً لقاعدة (لا يضار المستأنف من استئنافه)، فالمستأنف يسعى من استئنافه إلى تحسين وضعه، ومن ثم لا يجوز أن يرتد عليه استئنافه بعقوبة أشد من تلك ا لتي صدر بها قرار اللجنة.
وجدير بالذكر أنه إذا أصبح قرار الإدانة نهائياً وواجب لنفاذ جاز التشهير بالمحكوم عليه عن طريق نشر القرار في الصحف المحلية إن قضى القرار بعقوبة التشهير, حيث قررت المادة (19) من نظام المعادن الثمينة والأحجار الكريمة بأنه يجوز الحكم بنشر قرار العقوبة على نفقة مرتكب المخالفة بعد أن يصبح القرار نهائياً في جريدة محلية أو أكثر.
ومن نافلة القول إن عقوبة التشهير تعد من العقوبات التعزيرية الرادعة عن ارتكاب المخالفات. والتاجر الحريص على سمعته وثقة العملاء به، يخشى من أي إجراء يمس هذه السمعة ويزعزع الثقة به، وبالتالي، يحرص على التقيد بالأحكام النظامية ذات الصلة بعمله التجاري.