النفط الصخري يتحدى «أوبك» بشعار «عائدون فوق 40»
بينما كنت في زيارة للولايات المتحدة أوائل العام الماضي قابلت أحد عمال استخراج النفط الصخري وقد كان عاطلا عن العمل وأرجع سبب فقدان عمله إلى تدني أسعار النفط. الرجل ذكر أنه ينتظر ويتمنى صعود أسعار النفط سريعا ليعود لعمله. ومما ذكره أيضا أن آبار النفط تغلق عند هبوط الأسعار وتعاود الإنتاج عند ارتفاعها. هذه الدردشة العابرة مع هذا الرجل البسيط ربما تختصر الأساسيات الاقتصادية لصناعة النفط الصخري في أمريكا. لقد بدأت فورة إنتاج النفط الصخري بين عامي 2010 و 2014 وهي تشبه إلى حد كبير تدفق رعاة البقر على ولاية كاليفورنيا للبحث عن الذهب في منتصف القرن الـ 19. فلقد أغرت موجة ارتفاع أسعار النفط نهاية عام 2009 بالعودة لحقول النفط الصخري القديمة واكتشاف حقول جديدة. وسيظل إنتاج النفط الصخري مصدر إزعاج لمنظمة أوبك وخارجها على المدى القريب إلى المتوسط، ويجب عليها دراسة هذه الظاهرة بطريقة علمية وعميقة وأخذها في الحسبان عند إقرار الإنتاج مستقبلا. لكن يبدو لي أن المنظمة قللت من شأن هذه الصناعة في اجتماع أعضائها الأخير في ديسمبر الماضي الذي ضم لأول مرة روسيا، عندما قررت تخفيض الإنتاج على أمل رفع الأسعار. فوجئ المراقبون بمحافظة إنتاج النفط الصخري على مستوياته السابقة في حدود 4.5 مليون برميل في اليوم. وبالتالي لم ترتفع الأسعار كما كان متوقعا ما حدا ببعض منتجي "أوبك" إلى عدم الالتزام بالقرار لتظل الأسعار تحوم حول 50 دولارا للبرميل حسب المرجع السعري. وبحكم تخصصي فقد قمت ببحث مستفيض لصناعة النفط الصخري من ناحية الجدوى المالية، واستنتجت أن فورة النفط الصخري لن تستمر على المدى البعيد. فعند بداية فورة النفط الصخري في عام 2010 كانت نقطة التعادل بين الدخل والمصروفات في حدود 60 ـــ 70 دولارا للبرميل. أما الآن فإن نقطة التعادل تراوح بين 35 و 45 دولارا بسبب التطور السريع في تكنولوجيا استخراج النفط بالحفر الأفقي والتكسير الهيدروليكي. ولذلك فإن منتجي النفط الصخري، في تحد لمنظمة أوبك، يرفعون شعار "راجعون فوق 40" عند إغلاق آبارهم كناية عن العودة للإنتاج فوق سعر 40 دولارا للبرميل. وبئر النفط الصخري عمرها قصير جدا، حيث إن معدل استنزافها نحو 50 في المائة وأحيانا يصل إلى 70 في المائة وهذا يضطر المنتج لحفر مزيد من الآبار في وقت قصير لتعويض نقص الإنتاج ما يؤدي إلى استنزاف الحقل بأكمله. وهذا بالفعل ما يحدث الآن في أحد الحقول القديمة "حقل باكن" في ولاية داكوتا الشمالية. وقد توسعت المصارف الأمريكية في إقراض شركات النفط الصخري بشكل كبير وهذا قد ينذر بأزمة مصرفية جديدة مقبلة، ما لم ترتفع أسعار النفط بشكل كبير وقريبا. وحاليا كل شركات النفط الصخري تقريبا في وضع تدفق نقدي سالب بسبب التكلفة العالية للإنتاج وإيجار المواقع والمصروفات الرأسمالية. لذلك فليس أمام المصارف من حل سوى تمديد القروض بأسعار فائدة عالية. وإذا استمر تدني أسعار النفط كما هو حاليا، فإن كثيرا من الشركات الصغيرة ستشهر إفلاسها. وهذا سيدفع بشركات النفط الكبيرة والخاصة لشراء أصولها فقط وليس الشركات بأسعار زهيدة كيلا تلتزم بسداد قروضها. وللتكيف مع مستجدات دخول النفط الصخري لسوق النفط، فإن أمام "أوبك" عدة خيارات منها: 1- إدخال النفط الصخري ضمن المنتجين من خارج "أوبك" كلاعب جديد وتقييم سوق النفط على هذا الأساس والاستمرار في السياسات السابقة المتبعة. 2- زيادة أو إبقاء الإنتاج الحالي (حسب تفاعل السعر) بهدف الوصول لسعر أقل من 40 دولارا لإخراج النفط الصخري من السوق، وهذا طبعا سيكون مؤلما للمنتجين لأنه يتطلب تحمل انخفاض الأسعار لحين بلوغ الهدف. وهذا الخيار أيضا يتيح فرصة ذهبية لبعض منتجي "أوبك" لشراء شركات النفط الصخري بأسعار زهيدة. ويحتاج هذا الخيار إلى دراسة قانونية أيضا، حيث إن القانون الأمريكي يمنع الاحتكار وتصدير النفط. 3- تخفيض إنتاج النفط بكميات كبيرة (4 ـــ 5 ملايين برميل) على أمل أن يعوض ارتفاع الأسعار تقليص الإنتاج. وهذا ربما يكون الخيار الأفضل، ولكن هذا يتطلب جهودا كبيرة لتعاون والتزام المنتجين من "أوبك" وخارجها.