الدلال.. لن يصنعهم
في إحدى المناسبات الاجتماعية كانت الأم مثل النحلة التي تدور في كل اتجاه لتقوم بمتطلبات الضيافة والإشراف على الوليمة والترحيب بالضيوف وترتيب ما أفسده بعض الأطفال المشاغبين، في الوقت نفسه الذي كانت فيه ابنتها الأنيقة تضع رجلا على أخرى وتتحادث مع ابنة خالتها وتضحك بأريحية تامة، وكأن من تراها أمامها تبذل جهدا ويكاد أثر الإرهاق الواضح يصرخ من جسدها ليست والدتها، لذلك قررت أمرا!
بعد انتهاء العشاء قدمت اقتراحا بمناقشة موضوع تربية الأبناء وأهم الطرق والتجارب، رحب الحضور بذلك وبدأت في إلقاء ندوة شبه مصغرة تحدثت فيها عن الخطأ الذي يقع فيه كثير من الأمهات بإفساد الأم ابنتها بالدلال الزائد إما رحمة بها أو خشية أن تقارن نفسها بزميلاتها فينكسر خاطرها أو أيا كان، فكان من نتاج هذه التربية "المائعة"، ظهور جيل من الفتيات لا يتحملن المسؤولية ولا يستطعن تدبر أمورهن ولا مواجهة صعوبات الحياة، وحتى بعد الزواج سنجدهن يفكرن بشكل اندفاعي في الطلاق عند أتفه مشكلة!
ــــ من أشد الأسر ندما في نهاية المطاف الأسرة العاطفية التي تنهار حصون مقاومتها أمام إلحاح الأبناء والبنات، فتنفذ طلباتهم التي لا تراعي دخل الأسرة ولا ديونها، وتفرط في التدليل. هذه الأسرة ستصنع أبناء أنانيين يدورون حول ذواتهم حين يكبرون وبالتالي لن يقدروا ما قدمه الأهل لهم رغم ظروفهم.
ــــ "لا يصلح العطار ما أفسده الدهر"، هذه الحقيقة ستؤمن بها الأسرة العاطفية بعد فوات الأوان، فليست كل الأساليب التربوية التي أفسدت أبناءها بها ستستطيع إصلاحها، خاصة في سن المراهقة وبعد الزواج، حيث سيعتقد الابن أو الابنة أن هذا العالم بأسره سيعامله كما عاملته أسرته بدلال مفرط واستجابة مطلقة لطلباته، لكن الحقيقة غير ذلك، حيث سيكون هشا في داخله، قابلا للانكسار، فاقدا الثقة بنفسه، ومتعثرا في علاقاته الاجتماعية!
ـــ هناك فرق شاسع بين الحب غير المشروط الذي يزرع في الأبناء تحمل المسؤولية والثقة بالنفس وروح العطاء والانتماء للأسرة، وبين الدلال الذي سيقودهم للاتكالية والأنانية وربما الانحراف الأخلاقي!
وضربتُ كثيرا من الأمثلة والتجارب التي مرت بكثير من الأمهات ، ويبدو أن ندوتي المصغرة أحدثت أثرا فقد التفتت الأم إلى ابنتها وأمرتها أن تحمل صينية الكاسات للمطبخ، وقامت الفتاة بكل تأفف وهي تنظر شزرا إلي، وأظنها ستقترح على والدتها ألا تدعوني مرة أخرى!
وخزة
يقول الدكتور إبراهيم الخليفي "على الوالد أن يطور شجاعة الانسحاب من حياة أبنائه، وعدم التدخل للإنقاذ عندما تواجههم الصعوبات الحياتية".