جامعة الدول العربية من الحلم إلى الواقع

drashwan59@yahoo .com

يوافق التاسع عشر من آذار (مارس) المقبل الذكرى الثالثة والستين لتأسيس جامعة الدول العربية كأول تجمع إقليمي عربي في العصر الحديث بعد انهيار الخلافة العثمانية عام 1924، التي كانت تضم تحت لوائها العديد من تلك الدول. وقد بدأ السعي لإنشاء الجامعة العربية بعد نشوب الحرب العالمية الثانية (1939 - 1945) ومع اتساع الحملات العسكرية لدول المحور، وبخاصة ألمانيا النازية وإيطاليا الفاشية في أرجاء القارة الأوروبية وتراجع دول التحالف أمامها خلال عاميها الأولين، حيث راحت بريطانيا وفرنسا صاحبتا أوسع مستعمرات في العالم حينذاك تحاولان تأمين البلدان العربية الواقعة تحت احتلالهما لمواجهة خطر تقدم دول المحور. وقد اتخذت تلك السياسة أولاً صورة الوعود الصادرة من لندن وباريس بمنح تلك البلدان استقلالها بعد انتهاء الحرب وانتصار الحلفاء على المحور بشرط أن تساعدها حكوماتها وشعوبها على تحقيق هذا الهدف. كما اتخذت تلك السياسة من ناحية أخرى وعلى يد وزارة الخارجية البريطانية صورة الاستجابة للدعوات التي كانت قد بدأت في التردد في بعض البلدان العربية لإقامة أشكال للتنسيق أو الوحدة فيما بينها بل وتشجيعها.
في ظل هذا الموقف البريطاني الواضح تحرك بعض القادة العرب المتحمس بعضهم أصلاً لفكرة الوحدة والتنسيق العربي باتجاه إنشاء جامعة الدول العربية، فدعا رئيس الوزراء المصري مصطفى النحاس باشا كلا من رئيس الوزراء السوري جميل مردم ورئيس الكتلة الوطنية في لبنان الشيخ بشارة الخوري، الذي أصبح رئيسا للجمهورية فيما بعد، إلى زيارة مصر وتبادل وجهات النظر فيما يختص بفكرة إنشاء جامعة للدول العربية التي ستنال استقلالها. وتواصلت خلال الأشهر الأخيرة من عام 1943 المشاورات الثنائية بين مصر وكل من السعودية، الأردن، العراق، سورية، واليمن من أجل الإعداد لقيام الجامعة الجديدة. وفي 12 تموز (يوليو) 1944 وجه مصطفى النحاس باشا الدعوة إلى الحكومات العربية، التي شاركت في المشاورات التمهيدية للاشتراك في اللجنة التحضيرية للمؤتمر العربي العام، والتي ستتولى صياغة الاقتراحات المقدمة لتحقيق الوحدة العربية. واجتمعت هذه اللجنة في الإسكندرية في 25 أيلول (سبتمبر) 1944 بحضور مندوبين عن مصر، سورية، لبنان، العراق، شرق الأردن، السعودية، واليمن وعن عرب فلسطين، واتفقوا على تكوين مجلس اتحاد لا تنفذ قراراته إلا الدول التي توافق عليه، على أن يسمى هذا المجلس "جامعة الدول العربية"، وذلك حسب الاقتراح المقدم من الوفد المصري. وسميت الوثيقة التي صدرت عن هذا المؤتمر "بروتوكول الإسكندرية"، الذي يمكن اعتباره وثيقة إعلان قيام الجامعة. وفي ختام اجتماع اللجنة التحضيرية في القاهرة في 19 آذار (مارس) 1945 تمت الموافقة الجماعية على الصيغة النهائية لميثاق جامعة الدول العربية الذي اقترح مسودته مؤتمر الإسكندرية، المكون من ديباجة و20 مادة وثلاثة ملاحق، ووقع عليه مندوبو الدول العربية السبع التي أسستها، وعين السياسي المصري عبد الرحمن عزام أول أمين عام للجامعة.
وقد اتسعت عضوية الجامعة خلال هذه السنوات الطويلة ليصل عدد أعضائها اليوم إلى 22 دولة كانت آخرها جزر القمر التي انضمت إليها عام 1993، ومع ذلك ظلت الآمال المعلقة عليها لتحقيق الأهداف الرئيسية التي نشأت من أجلها أقل بكثير من قدراتها الحقيقية، مما تحقق منها بالفعل في الواقع العملي. فعلى صعيد العلاقات بين الدول العربية لم تستطع الجامعة القيام بدور فعّال في فض المنازعات بينها، فعلى الرغم من أن ميثاقها قد أوجب عليهم عدم اللجوء إلى القوة لحل المنازعات الناشئة بينهم، إلا أنه لم يعط الجامعة في حالة حدوث خلاف بين دولتين عربيتين حق التدخل لفضه إلا إذا طلبت منها إحداهما ذلك، كما أن قراراتها ليست ملزمة للأطراف المتنازعة. وبالرغم من إجراء تعديل لهذا النظام في اتفاقية الدفاع العربي المشترك عام 1950، التي أقرت اتخاذ تدابير ووسائل - بما في ذلك القوة المسلحة - لرد أي اعتداء يقع على دولة من الدول الأعضاء، إلا أنها تركت الاختصاص النهائي في حفظ السلام لمجلس الأمن الدولي التابع للأمم المتحدة، وبالتالي لم تلعب هذه الاتفاقية دوراً فعالاً في حماية الدول الأعضاء من مثل هذه الاعتداءات.
كذلك كان الأمر على صعيد الصراعات العربية الرئيسية مع الخارج، فقد ظل دور الجامعة محدوداً بما تمنحه لها الأنظمة العربية من صلاحيات محددة ومحدودة، وهو ما ينطبق بصفة خاصة على الصراع العربي - الإسرائيلي الذي ظلت إدارته عربياً في يد مختلف الدول العربية، ولم تسهم فيه الجامعة بدور سوى على مستوى مؤتمرات القمة العربية التي اتخذت عديداً من القرارات الرئيسية بشأن تطوراته. ولا يبدو الوضع اليوم مختلفاً كثيراً فيما يخص القضية العراقية التي ظلت الجامعة ومعها مختلف الدول العربية بعيدة كل البعد عن القدرة على التأثير الحقيقي فيها والتدخل الفعال في مجرياتها بما يحقق مصلحة الشعب العراقي، وهو أيضاً الحال فيما يتعلق بالأوضاع في مناطق عربية أخرى عديدة مشتعلة مثل جنوبي وغربي السودان والصومال ولبنان والصحراء الغربية. ففيها جميعاً، ظل دور الجامعة في أفضل حالاته أقرب للوسيط ضعيف التأثير في أطراف الأزمة، بينما ظلت الأدوار الإقليمية والدولية غير العربية أكبر بكثير من أدوار الجامعة والدول العربية على حد سواء. لقد بدأت الجامعة بحلم طموح وهو أن تكون الإطار الأكبر والأوسع من الدولة العربية، وانتهى الأمر بأن أصبحت أصغر بكثير من أصغر دولة عربية، وأصبحت بعد ذلك مساهماتها هي وهم في إدارة الأزمات والصراعات المرتبطة بالعرب أصغر بكثير مما يسهم به أصغر طرف إقليمي أو دولي.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي