تجارة الدروس الخصوصية .. البداية لتدهور التعليم

[email protected]

مع قرب الاختبار تزدهر تجارة الدروس الخصوصية، وهذه الظاهرة الخطيرة نمت وترعرعت في السنوات العشر الأخيرة وانتشارها بهذه الصورة المفضوحة يعطي الانطباع أن لدينا خللا في إدارة التعليم والإشراف عليه، وأيضا خللا في القيم والأخلاقيات الاجتماعية، وأيضا خللا في مهنة التعليم التي حولتها الدروس الخصوصية إلى (مهنة من لا مهنة له!).
ازدهارها في المجتمع يعني تراجع (قيمة) التعليم ليصبح (غاية) وقيمة للوجاهة الاجتماعية فقط، ومؤسف أن مجتمعنا يسمح بتدهور التعليم وتراجع مكانته، رغم حاجتنا الماسة إلى تعليم مستنير يساعد على تكريس الاستقرار الاجتماعي ويعظم منافع الوحدة الوطنية .. فالتعليم هو الذي يؤسس التفكير العلمي ويوجد ذهنية تستطيع التفاعل الإيجابي مع ظروف الحياة سلبا أو إيجابا.
أيضا الدروس الخصوصية مؤشر على ضعف إدارة التعليم، وهذه حقيقة، لأن أغلب الذين يتصدون للدروس الخصوصية هم من منسوبي التعليم وأغلبهم أو جلهم من غير السعوديين، سواء العاملون في المدارس العامة أو الخاصة، وهؤلاء يعملون في العلن، فأسماؤهم وأرقام جوالاتهم تعلن في الأماكن العامة، وربما على أسوار المدارس، وليس بعيدا أن تعلن في أروقة وزارة التربية والتعليم!
وربما نحن إزاء مفارقة حيث تنمو هذه الظاهرة وتزدهر الآن. كنا نتوقع أن البعد التربوي سوف يتغير مع التحول الوزاري في مسمى الوزارة، ولكن يبدو أنه تحول "اسمي" فقط، ومظاهر التدهور في السلوكيات داخل المدارس لا تقف عند انتشار الدروس الخصوصية، بل هناك تكرار اعتداءات الطلاب على المعلمين، وكثرة الغياب، والتساهل في التأخر عن الحصص الأولى، هذه (بعض) المؤشرات على تراجع البعد التربوي في تعليمنا العام.
والمؤشر المؤسف لعمق التراجع في قيم التربية نجده حتى في تعامل الطلاب مع خدمات الدروس الخصوصية، فهذه تحولت إلى فرصة للمباهاة الاجتماعية، فالطلاب الآن تجاوزوا إلى الافتخار بمرجعية وجنسية المدرس أو المدرسة، مثل التفاخر بالسيارات وماركات الأزياء.
وظاهرة الدروس الخصوصية ساعدت على انتشارها بهذا الحجم المدارس الأهلية التي توسعت (كما) في السنوات الأخيرة، فانتشارها رغم أنه ساعد على فك الاختناقات في التعليم العام قبل سنوات إلا أنها جلبت معها سلبيات سيئة وخطيرة، والدروس الخصوصية واحدة منها.
لقد ساهمت المدارس الأهلية في بنمو هذه الظاهرة عبر معلميها الذين يقبلون برواتب متدنية جدا، لأنهم يعرفون أن السوق مفتوحة، مما يتيح لهم مضاعفة دخلهم إلى ثلاثة أو أربعة أضعاف، فالمدارس الأهلية (أغلبها وليس كلها) تغاضت عن تمتع معلميها بهذه الميزة لأنهم وجدوها عامل استقرار للمدرسين ودعما لرضاهم الوظيفي، وبما أن جودة التعليم ليست هي (الأساس أو المطلوب)، لذا هذا الوضع خدم الطرفين!
لا ندري على من نلقي اللوم لاستفحال هذه الظاهرة، فإذا كان اللوم سيوجه إلى المؤسسات التي تشرف على التعليم، فهذا لن يؤدي إلى علاج هذه المشكلة أو على الأقل الحد منها أو حتى تقنينها وضبطها، لأن مؤسسات التعليم تعرف هذه الظاهرة.. ولو كان الأمر يهمها لتحركت!
إننا بحاجة إلى أن نتحرك بسرعة لعلاج هذه الظاهرة حتى لا يدركها تضخم الأسعار، وبالتالي ارتفاع التكاليف على الكثير من الأسر المتوسطة والبسيطة التي أصبحت تحت مطرقة أسعار الدروس الملتهبة وسندان الوجاهة الاجتماعية!

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي