حالة أسواق النفط في نهاية عام 2016

قبيل نهاية عام 2016 ارتفعت أسعار النفط بنحو 20 دولارا للبرميل لتقترب من 55 دولارا للبرميل، حيث إن الاتفاق بين "أوبك" والمنتجين من خارج المنظمة على خفض الإنتاج أسهم إلى حد كبير في دعم أسواق النفط. ففي الـ 20 من كانون الأول (ديسمبر) وصل سعر خام بحر الشمال برنت إلى رقم قياسي لعام 2016 قرب 55 دولارا للبرميل، وفي وقت سابق من الشهر نفسه اقترب الخام القياسي الأمريكي غرب تكساس الوسيط من 53 دولارا للبرميل، مرتفعا بنحو 15 دولارا للبرميل على مدار السنة. وفي منطقة الشرق الأوسط، ارتفع الخام القياسي لمنطقة الخليج "دبي" بما يزيد على 20 دولارا للبرميل في نهاية العام الماضي، ما يعكس التوقعات أن أكبر منتجي "أوبك" سيخفض صادراته مطلع العام الحالي.    
وكان الدافع وراء ارتفاع الأسعار في نهاية العام الماضي هو التحول في سياسة "أوبك"، عندما وافقت على خفض إنتاجها بنحو 1.2 مليون برميل في اليوم، مدعوما بالتزامات من خارج المنظمة بخفض الإنتاج بنحو 558 ألف برميل في اليوم. وأسهم قرار "أوبك" قبل سنتين بتجنب خفض الإنتاج والسماح للأسواق بتحديد أسعار النفط بدعم حصة المنظمة السوقية. حيث شهد عام 2016 تسجيل سلسلة أرقام قياسية في إنتاج "أوبك"، ووصل إنتاجها إلى أعلى مستوى له على الإطلاق عند 34.5 مليون برميل في اليوم في تشرين الثاني (نوفمبر). وارتفعت حصة "أوبك" في السوق العالمية إلى ما يقرب من 43 في المائة من أقل من 40 في المائة في أوائل عام 2015، أي بزيادة أكثر من ثلاثة ملايين برميل في اليوم. 
لكن المكاسب التي حققتها المنظمة في حصتها السوقية جاءت بتكلفة مالية كبيرة. في عام 2016، كان معدل دخل دول المنظمة اليومي من تصدير النفط بحدود 1.4 مليار دولار، مقارنة بثلاثة مليارات دولار في عام 2014. الانطباع السائد بأن أسواق النفط لم تكن تتوازن بالسرعة المتوقعة في أواخر عام 2014 هو الذي مهد الطريق أخيرا إلى الاتفاق على خفض الإنتاج.  
لكن من المفارقات، أن أسواق النفط انتقلت، إلى حد كبير، إلى حالة التوازن في الربعين الثاني والثالث من عام 2016، عندما أصبح الفائض أقل من 250 ألف برميل في اليوم، البعيد كل البعد عن 2.5 مليون برميل في اليوم في النصف الأول من عام 2015. إن تحرك أسعار النفط من أقل من 30 دولارا للبرميل في كانون الثاني (يناير) إلى نطاق 45 ـــ 50 دولارا للبرميل في معظم السنة اعتبارا من أيار (مايو) يعكس هذا الواقع.  
أنهى خام غرب تكساس الوسيط عام 2016 بفارق 2.5 دولار للبرميل عن خام بحر الشمال برنت. ولكن الأسواق الأمريكية كانت أقرب إلى برنت طوال العام، حيث كان متوسط الفارق أقل من 0.5 دولار للبرميل مقارنة بخصم بحدود 3.7 دولار للبرميل في عام 2015. انخفاض إنتاج الولايات المتحدة وارتفاع الطلب على النفط الخام المستورد أديا إلى تقلص الفجوة بين خام غرب تكساس الوسيط وبرنت.
في عام 2016، انخفض إنتاج النفط الخام الأمريكي بحدود 600 ألف برميل في اليوم. كل هذا الانخفاض يعكس تقريبا تراجعا في اثنتين من المناطق المنتجة الرئيسة للنفط الصخري، هما تشكيل باكن في شمال داكوتا والنسر فورد في جنوب تكساس. لكن الآبار عالية الإنتاج في حوض العصر البرمي غرب تكساس ونيو مكسيكو ساعدت على وقف هذا التدهور. إمدادات النفط الخام الجديدة من حوض العصر البرمي أسهمت أيضا في تشكيل طرق تجارية جديدة للنفط الخام في عام 2016.  
بحلول منتصف كانون الأول (ديسمبر)، ارتفع عدد منصات الحفر البرية العاملة في تشكيلات النفط في الولايات المتحدة بنحو 200 إلى 510 منصات، حسب بيانات شركة الخدمات النفطية بيكر هيوز. لكن نشاط الحفر لا يزال ضعيفا مقارنة بذروة قطاع النفط الصخري في عام 2014، عندما كانت أكثر من 1500 حفارة تنقب عن النفط. ولكن، على ما يبدو أن تراجع إنتاج النفط الصخري وصل إلى نهايته في نهاية عام 2016، عندما ارتفع الإنتاج من الآبار الجديدة أعلى من التراجعات من الآبار القديمة. وهذا التحول يشير إلى أن النفط الصخري تحرك مرة أخرى إلى النمو للمرة الأولى منذ عامين.  
في الصين ارتفع الطلب على النفط بنحو 4 في المائة في عام 2016. لكن وتيرة النمو تباطأت من المعدل السنوي 5.6 في المائة المسجل في عامي 2014 و2015. وإنتاج النفط الصيني بدأ في الانخفاض بشكل أسرع، ما اضطر شركات التكرير إلى استيراد المزيد من النفط. حيث ارتفعت واردات النفط الخام بأكثر من 900 ألف برميل في اليوم، هذا الارتفاع وفر مصدرا قويا للطلب على الزيادات الحادة في المعروض من دول "أوبك" في منطقة الخليج العربي. معظم الزيادة في الطلب الصيني على الواردات جاء من المصافي المستقلة. حيث إن قرار الحكومة بإزالة القيود عن الاستيراد سمح لهذه المصافي بشراء مزيد من النفط الخام من الأسواق العالمية، ما أدى إلى ارتفاع معدل تشغيل المصافي المحلية بنحو 300 ألف برميل في اليوم. كما أن بناء مخزون النفط المحلي أسهم أيضا في ارتفاع الواردات الصينية، حيث إن نحو 200 ألف برميل في اليوم من الواردات ذهبت إلى المخزون المحلي في عام 2016.  
أسواق البنزين قادت مرة أخرى هوامش أرباح شركات التكرير في العام الماضي. حيث إن نمو الطلب العالمي على البنزين فاق نمو الطلب على وقود الديزل خلال السنوات الأربع الماضية. وكانت هوامش الأرباح أقل قوة في عام 2016 ـــ بلغت ما يزيد قليلا على عشرة دولارات للبرميل مقارنة بما يقرب من 14 دولارا للبرميل في العام الذي سبقه. وكان هذا إلى حد كبير نتيجة التخزين في فترة ضعف الطلب في الربع الرابع من عام 2015 والربع الأول من عام 2016، كما أن المصافي كانت مستعدة بصورة أفضل لمواجهة الطلب على البنزين عالي المحتوى الأوكتاني.  
بالتطلع إلى الأمام، اتفاق "أوبك" مع المنتجين من خارج المنظمة يمهد الطريق لحدوث انتعاش في أسعار النفط في عام 2017. لكن لا يزال هناك العديد من التحديات من أهمها مدى امتثال الدول بتطبيق التزاماتها في الاتفاق. كما أن صمود قطاع النفط الصخري في الولايات المتحدة كان يشكل دائما مفاجأة للأسواق.   

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي