زمن التكتلات

مجلس التعاون الخليجي أحد التكتلات الفاعلة على مستوى العالم، إلا أن بحسب ولي ولي العهد، الأمير محمد بن سلمان فإن مجلس التعاون الخليجي بحاجة إلى مزيد من التكتل. بداية المجلس جاءت بدوافع سياسية لتوحيد مواقف دوله في وجه الاستقطاب المناطقي، لإعطاء أعضاء المجلس ثقلا سياسيا أكبر. وكنتيجة طبيعية لهذا التنسيق، ونظرا لتشابه طبيعة اقتصاديات دول المجلس، فقد كان لهذا التكتل إضافة مهمة في العمل على تكامل الترابط الاقتصادي ودعم تنميته. هذا التشابه الاقتصادي حمل بين جنباته صعوبات ومخاوف. فاعتماد دول المجلس على النفط حقيقة لا يمكن إنكارها، وإن اختلف مستوى هذا الاعتماد. وكما أن لكل دول مزايا اقتصادية، فإن لها جوانب ضعف تعمل على حلها من خلال رؤى طموحة مثل "رؤية 2030". ولكن عند جمع وضم كل اقتصاديات دول المجلس في بوتقة واحدة بكامل الموارد وعناصر الإنتاج والميزات النوعية وحتى السلبيات وعوامل الضعف، فإن ما يمكن أن يحققه مثل هذا التكتل يصبح دون سقف وبلا أي حدود.
أهم الفوائد الناتجة عن زيادة حجم التكامل الاقتصادي بين أعضاء تكتل ما تكمن في زيادة فعالية الاقتصاد عن طريق زيادة المنافسة واختزال عوامل الإنتاج المكررة. كما أنها تعمل على توسيع الأسواق على جانبي العرض والطلب، ما يزيد من حجم الفرص الاستثمارية وفرص نجاحها، وكذلك يسهم في دعم ابتكارية نماذج أعمال جديدة لتنوع الأسواق مع توافر أعداد أكبر من الزبائن. وبالتالي ستزيد فرص دول التكتل في النجاح في استقطاب الاستثمارات الأجنبية وتوفير مزيد من فرص العمل، إضافة إلى زيادة الإنتاجية وتخفيض التكاليف نتيجة حرية انتقال عوامل الإنتاج. كل ذلك يحدث مع اكتمال منظومة التكتل الاقتصادي باعتماد عملة موحدة وإلغاء الجمارك وتوحيد أو تقريب الأنظمة الضريبية. ومع اكتمال هذه المرحلة الأولية من التكامل الاقتصادي، تبدأ مرحلة أخرى من التركيز على الميزات النوعية وتغطية عوامل الضعف البينية.
في المرحلة الثانية من التكتل الاقتصادي تركز كل دولة على إنتاج ما تبرع في إنتاجه بأعلى جودة وأقل تكاليف. فيمكن أن تقود الإمارات قطاع الخدمات والعقار والسياحة والفندقة والطيران والنقل. وتعمل السعودية على ريادة قطاع الصناعات البتروكيماوية والتعدين. أما قطر فستكون المولد الرئيس للكهرباء لدول الخليج كافة نظرا لتمتعها بصناعة إنتاج الغاز. ويمكن مع ذلك رسم خطة تحول كل دولة من دول المجلس إلى لاعب محوري في المستقبل في صناعات جديدة، فتحتضن عمان الشحن البحري وسكك الحديد التي ستربط عمان بشبه القارة الهندية وعبر الجزيرة العربية بشرق إفريقيا. ويمكن أن تعود البحرين مركزا عالميا للصناعة المصرفية وتكون الموفر لسيولة هذا الكيان الاقتصادي الجديد الذي تتزايد تجارته الخارجية بوتيرة سريعة. ويمكن للكويت أن تحتضن صناعة البحث العلمي في مجال الطاقة المتجددة خصوصا. كل هذا يمكن تحقيقه عن طريق رؤية موحدة لكل دول مجلس التعاون تمكنها من علاج مكامن الضعف وتحقيق الطموحات. إلى جانب أجهزة استثمارية حكومية مرنة تعمل على دمج الكيانات الخليجية لتمكنها من الاستفادة القصوى من مواردها وخبراتها.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي