رؤية لمستقبل العلاقات العربية مع النظام الإيراني

الخلافات بين الدول ظاهرة معتادة وغير مستغربة وهي من أهم المؤثرات في العلاقات الدولية، ويندر وجود دولة من الدول ليس بينها وبين الدول الأخرى خلافات خاصة دول الجوار، وفي الغالب هذه الخلافات لا تخرج عن مجال الخلافات السياسية والاقتصادية ومسائل الحدود، أما الخلافات الطائفية فهي خلافات عادة ما تكون خلافات داخلية في إطار الدولة الواحدة.
إيران كدولة لها طابع مختلف ونادر في خلافاتها مع الدول الأخرى خاصة مع جيرانها إذ إن العامل الأساسي في تعاملها مع الدول الإسلامية ينحصر في الزاوية المذهبية نظرا لطبيعة نظامها القائم على الطائفية المذهبية من منطلق الحق الإلهي كما تراه، ومن هنا تأتي فرادة خلافاتها مع الدول الأخرى، وما يؤكد ذلك دستورها الذي صاغه نظام الآيات بعد اختطاف ثورة الشعب الإيراني على نظام الشاه عام 1979 إذ ينص دستورهم صراحة في المادة (12) على أن مذهب الدولة الرسمي هو المذهب الاثني عشري وهي بهذا تكون الدولة الدينية الوحيدة في العالم إذا ما استثنينا دولة الفاتيكان، بينما جميع الدول الإسلامية تنص دساتيرها على أن الإسلام دين الدولة أو أنه مصدر التشريع أو المصدر الرئيس للتشريع دون تخصيص مذهب معين مع العلم أن مذهبها له صيغته الإيرانية المختلفة عن واقع التشيع العربي (نبيل الحيدري، التشيع الصفوي والتشيع العربي: دور الفرس التاريخي في انحراف التشيع، دار الحكمة).
من هنا أخذ النظام الصفوي الإيراني على عاتقه الوصاية على المنتمين للمذهب الشيعي بجميع أطيافه في العالم، وما مشكلاته مع الدول العربية والإسلامية إلا نتيجة لارتمائه في هذه الزاوية الطائفية حتى اضطرت المملكة المغربية إلى قطع علاقاتها مع هذا النظام الطائفي منذ عدة سنوات لهذا السبب. ويكفي دلالة على ما نقول تدخله في نيجيريا أخيرا واستدعاء القائم بالأعمال في السفارة النيجيرية في طهران للاحتجاج على مواجهة الجيش النيجيري لحركة إبراهيم الزكزاكي الشيعية في نيجيريا بل إن الخارجية الإيرانية بلغ بها التجاوز والتمادي في هذا المسار إلى أن طالبت الحكومة النيجيرية بمعالجة جرحى المواجهة ودفع تعويضات للمتضررين مع أن الموضوع برمته شأن نيجيري داخلي.
ولأن الأيديولوجيا المذهبية هي المتحكم الوحيد في نظام طهران فإنها حقيقة لن تسعى للتصالح الحقيقي غير المزيف مع الدول الإسلامية ودول الخليج العربي على وجه الخصوص لأنها ترى أن من واجباتها تحويل العالم الإسلامي بأكمله إلى مذهبها الصفوي تحت شعار ما يسمى بالثورة الإسلامية وقائدها الذي يسمى قائد الثورة الإسلامية، ولذا فهي تقوم باستدراج العرب الشيعة للانخراط في مشروعها كما هو الحال في العراق وسورية ولبنان واليمن وعن طريق ما تسميه السياحة الدينية في الدول التي ليس فيها شيعة مثل الأردن وتونس في محاولة لتشييع تلك البلدان.
وانطلاقا من المعطيات السابقة فإن قطع العلاقات الدبلوماسية مع إيران الذي قامت به السعودية والبحرين والسودان والصومال وجيبوتي وقبل ذلك المغرب خطوة في الاتجاه الصحيح ولكن الأهم من ذلك هو استمرار قطع العلاقات معها ودعوة بقية الدول العربية إلى فعل ذلك ما دام النظام الحالي هو النظام القائم في إيران على أن ينبع ذلك من خطة استراتيجية لأن عودة العلاقات لن تغير من طبيعة السياسة المؤدلجة لهذا النظام بل إنها تستخدم علاقاتها الدبلوماسية كمعابر لتمرير مخططاتها الطائفية ولا أدل على ذلك من دور السفارة الإيرانية في دمشق في إنشاء ما يسمى بحزب الله في لبنان، وكذلك دور السفارات الإيرانية في إفريقيا في نشر التشيع هناك، ثم إن إرهاصات التغيير في إيران موجودة منذ عام 2009، واستمرار قطع العلاقات معها سيدعم محاولات التغيير في إيران ويجعل منها بلدا منبوذا حتى في أعين الشعب الإيراني. وأعتقد أن قطع العلاقات الاقتصادية أيضا ضرورة ملحة ومسألة داعمة لقطع العلاقات الدبلوماسية فلم تخضع إيران للاتفاق النووي إلا بفعل العقوبات الاقتصادية.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي