كيف أصبح الاستثمار الجريء أداة إستراتيجية لتصدير القيمة؟

يُعد الاستثمار في الشركات الناشئة محركًا إستراتيجيًا للنمو وتنويع الاقتصاد، إذ يسهم في زيادة الناتج المحلي، وخلق وظائف جديدة، وتعزيز الابتكار. وتوضح التجارب العالمية قوة هذا النوع من الاستثمارات، فسنغافورة مثلًا سجّلت في 2024 استثمارات جريئة تعادل 1% من ناتجها المحلي، وهي من أعلى النسب عالميًا، متقدمة على الولايات المتحدة التي بلغت 0.79%. أما السعودية، فقد ارتفعت النسبة من 0.02% في 2018 إلى نحو 0.11% في 2023، وهو تطور يعكس سرعة تطور المنظومة الاستثمارية محليًا.
كان للشركة السعودية للاستثمار الجريء (SVC) دور رئيسي في هذا التحول، إذ ارتفع حجم الاستثمارات عبرها من 244 مليون ريال في 2018 إلى 5.2 مليار ريال في 2023، أي بنمو تجاوز 21 ضعفًا. كما ارتفع عدد الصناديق المدعومة إلى 54 صندوقًا، واستفادت أكثر من 773 شركة ناشئة ومنشأة صغيرة ومتوسطة.
وبالتوازي، عززت شركة سنابل للاستثمار، المملوكة لصندوق الاستثمارات العامة، حضورها عبر استثمارات تقارب 3 مليارات دولار سنويًا، يُوجَّه جزء منها إلى الاستثمار الجريء بالتعاون مع حاضنات عالمية مثل"500 ."Global كما أسهمت أرامكو السعودية، عبر ذراعها الاستثماري المتخصص في الشركات الناشئة واعد فنتشرز، في ضخ أكثر من 270 مليون دولار لدعم نحو 75 شركة ناشئة. في حين أطلقت مجموعة STC، عبر ذراعها الاستثماري المتخصص في الشركات الناشئة STV (الذي يُعد من أكبر الصناديق في المنطقة بحجم يقارب 800 مليون دولار) صندوقًا مخصصًا للذكاء الاصطناعي بالشراكة مع شركة Google بقيمة 100 مليون دولار.
ورغم هذه الخطوات، ما زالت نسبة الاستثمارات الموجَّهة إلى قطاع الذكاء الاصطناعي محدودة عند 1.5% فقط في 2024، مقارنة بـ13% في الهند، وهو ما يمثل فرصة كبيرة لتعزيز موقع السعودية في قطاع حيوي يقود مستقبل الاقتصاد.
وقد أثمرت هذه الجهود عن قصص نجاح بارزة، مثل شركة نينجا للحلول اللوجستية التي بلغت قيمتها 1.5 مليار دولار وانضمت إلى نادي الشركات المليارية، إضافة إلى شركة جاهز التي انتقلت من السوق الموازية إلى السوق الرئيسية بعد إدراجها، وهو ما يعكس نضج البيئة الاستثمارية في السعودية.
اليوم، لم يعد الاستثمار الجريء مجرد أداة لتمويل الشركات الناشئة، بل أصبح انعكاسًا لإستراتيجية وطنية تهدف إلى إعادة تشكيل الاقتصاد نحو الابتكار والتقنية. ومع تكامل الجهود الحكومية والخاصة عبر كيانات مثل الشركة السعودية للاستثمار الجريء، وشركة سنابل، وأرامكو السعودية، ومجموعة STC، غدت الشركات الناشئة شريكًا رئيسيًا في تنمية الناتج المحلي وصنع وظائف نوعية. وهنا يتجلى دورها الحقيقي كمحرك إستراتيجي لا يقتصر على استقطاب رؤوس الأموال، بل يمتد إلى تصدير القيمة والنموذج، لتصبح عنصرًا محوريًا في مسيرة السعودية نحو اقتصاد أكثر ابتكارًا وتنافسية.

كاتب ومحلل في شؤون المال والأعمال

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي