الذهب .. طائر الكناري الأصفر يغرد بأسرار المشهد الاقتصادي العالمي

الذهب .. طائر الكناري الأصفر يغرد بأسرار المشهد الاقتصادي العالمي

الذهب .. طائر الكناري الأصفر يغرد بأسرار المشهد الاقتصادي العالمي

اعتاد المحنكون في بورصة "وول ستريت" التأكيد على أهمية سوق السندات كأداة لتقييم الأداء الحكومي بشكل يومي، لا يمكن أن تتجاهلها السياسة ورجالها.

فالقرارات المتعلقة بالضرائب والإنفاق والسياسة الاقتصادية الأوسع، تنعكس بشكل شبه فوري في أسعار سندات الخزانة، وتظهر لاحقا في العوائد. ومن الممكن أن ترتفع تكاليف الاقتراض الحكومي أو تنخفض بناء على تحركات هذه السوق.

لكن مع تراجع نفوذ الجيل الأخير من كبار المستثمرين في سوق السندات، أو من يعرفون بـ"حراس السوق"، أصبحت هذه السوق تواجه منافسا قويا، هو الذهب.

هذا الواقع الجديد جعل المعدن الأصفر بمنزلة "الكناري الجديد"، وجرس الإنذار من أمواج الأسواق المالية المضطربة.

الذهب يسجل أفضل أداء بين الأصول مع ضعف الدولار

ارتفعت أسعار سبائك الذهب بنحو 38% منذ بداية العام الجاري، متجاوزة 3500 دولار للأونصة للمرة الأولى هذا الأسبوع.

حقق المعدن الأصفر كذلك أفضل أداء بين الأصول الأخرى خلال شهر أغسطس الماضي، حيث ارتفع نحو 3.95%، بحسب بيانات "بنك أوف أمريكا".

هذا الصعود جاء وسط حالة عدم اليقين إزاء الرسوم الجمركية، وبيانات تُظهر تفاقم التضخم، وقلق المستثمرين من سعي الرئيس الأمريكي دونالد ترمب لإقالة عضو مجلس الاحتياطي الفيدرالي (البنك المركزي) ليزا كوك.

في المقابل، سجل الدولار الأمريكي أسوأ أداء له منذ خمسة عقود في النصف الأول من العام، وما زال عند أدنى مستوى في 3 سنوات مقارنة بسلة من العملات العالمية.

المعدن الأصفر يكشف فداحة التوتر الاقتصادي القائم

يرى أولي هانسن، رئيس إستراتيجية السلع في بنك "ساكسو" أن الارتفاع الأخير في أسعار الذهب "يعكس مزيجا قويا من تجدد التوقعات بخفض أسعار الفائدة، وتصاعد القلق إزاء استقلالية الفيدرالي، وتفكك النظام العالمي، يعيد توجيه التدفقات إلى الأصول الآمنة".

في حين يعد الذهب أحد أهم الأصول الآمنة، فإنه لا يخلو من المخاطر، إذ لا يدر عائدا، ويتحمل حائزه تكاليف التخزين، فضلا عن أنه قد يصعب تسييله بسرعة عند الحاجة.

لكن المعدن عبّر عن التوتر الاقتصادي الكبير الذي تشهده السوق.

وبينما قد تُضعف رسوم ترمب الجمركية آفاق النمو وتفرض ضغوطا على السلع الاستهلاكية، فإن هجوم ترمب المستمر على الفيدرالي قد يدفع نحو أسعار فائدة منخفضة غير مبررة اقتصاديا، ما يعرض السندات طويلة الأجل لمخاطر تضخم متزايدة.

وقال هانسن: "بالنسبة إلى عديد من المستثمرين، فإن السندات طويلة الأجل لم تعد الحصن الدفاعي الافتراضي، ما يفتح المجال أمام الذهب لاقتناص حصة أكبر من الطلب على الملاذات الآمنة، إلى جانب أصول ملموسة أخرى مثل الفضة والبلاتين، وكلاهما يدعمهما ضعف العرض المتوقع".

الفضة كذلك تجاوزت 40 دولارًا للأونصة لأول مرة منذ عام 2011 هذا الأسبوع، وما زالت فوق هذا المستوى، ما يرفع مكاسبها إلى نحو 42% هذا العام.

الذهب يقتنص الفرص من التوترات التجارية

يستفيد الذهب من عمليات شراء البنوك المركزية الكبيرة. فقد سجلت هذه المشتريات وتيرة ارتفاع قياسية خلال السنوات الثلاث الماضية بقيادة الصين، التي تسعى إلى تنويع احتياطياتها بعيدا عن الدولار.

أضاف بنك الشعب الصيني (البنك المركزي) 21 طنًا متريا من الذهب إلى احتياطياته هذا العام، ليصل الإجمالي إلى أكثر من 2300 طن، وفقا لحسابات "رويترز".

الرسوم الجمركية التي فرضها ترمب أدت كذلك إلى تباطؤ التجارة العالمية، ما حرم دولا أجنبية من دولارات كانت ستجنيها في المعتاد من بيع السلع إلى الولايات المتحدة.

تلك الدول كانت تعيد ضخ هذه الدولارات في شراء سندات الخزانة الأمريكية، لكن يبدو أن هذا المسار آخذ في الانهيار.

أوتافيو كوستا، الخبير الإستراتيجي في شركة "كريسكات كابيتال"، يشير إلى أن الذهب يمثل 27% من إجمالي احتياطيات البنوك المركزية العالمية، وهي أعلى حصة منذ ما يقارب 30 عاما.

في المقابل، انخفضت الحيازات الأجنبية من سندات الخزانة الأمريكية إلى نحو 23%، وهو أدنى مستوى منذ الأزمة المالية في عام 2008.

الأكثر قراءة