هل تريدون نجاحاً باهراً للطلاب؟ ضعوا هواتفهم المحمولة في خزائن مغلقة
أكثر من نصف الولايات الأمريكية تتجه لحظر أو تقييد الهواتف في المدارس
التالي:الصين تشدد رقابتها على محتوى مؤثّري التواصل الاجتماعي
استخدام الأطفال للهواتف الذكية يرتبط بالاكتئاب والتنمر وتراجع التركيز والحظر يؤدي للعكس
أغلبية البالغين الأمريكيين يدعمون حظر الهواتف داخل الصفوف الدراسية
هناك أمور قليلة فقط يتفق عليها معظم الساسة الأمريكيين، لكن حظر الهواتف المحمولة داخل الفصول الدراسية يبدو أنه إحدى هذه القواسم المشتركة. ووفقاً لتجارب بعض المدارس التي فرضت على الطلاب إعطاء الأولوية للتعلم على حساب تصفح تطبيق "تيك توك"، ظهرت فائدة جانبية مرحّب بها تتمثل في تراجع الخلافات وازدياد كلمات الترحيب مثل "مرحباً".
عندما يبدأ العام الدراسي في الخريف المقبل، سيكون الطلاب في معظم الولايات الأمريكية وواشنطن العاصمة مطالبين قانوناً بتسليم هواتفهم المحمولة أو إيقاف تشغيلها طوال اليوم الدراسي أو خلال معظم فتراته، وذلك وفقاً لإحصاء أجرته منصة "إديوكيشن ويك" (Education Week).
قيود استخدام الهواتف المحمولة
فقد فرضت ولايات فلوريدا ولويزيانا وكارولاينا الجنوبية ويوتا حظراً شاملاً على استخدام الهواتف داخل المدارس. بينما تبنت 24 ولاية أخرى قوانين أو قواعد تلزم بفرض قيود على استخدام الهواتف المحمولة، لكنها تركت القرار النهائي بشأن الحظر الفعلي لمجالس المدارس المحلية. هناك ولايتان تمنحان حوافز للمناطق التعليمية التي تفرض قيوداً على الهواتف، في حين توصي 7 ولايات فقط بأن تضع المناطق التعليمية المحلية قيودها الخاصة.
تتفاوت الطرق والتفاصيل من ولاية إلى أخرى، لكن الدوافع وراء إسكات الهواتف المحمولة تكاد تكون واحدة إذ تظهر مجموعة متزايدة من الدراسات أن تنامي الوقت الذي يقضيه الأطفال والمراهقون -الذين ما تزال أدمغتهم في طور النمو- على الهواتف الذكية، يرتبط بارتفاع احتمالات الإصابة بمشاكل صحية نفسية، بدءاً من الاكتئاب ومروراً بالتنمر الإلكتروني ووصولاً إلى ضعف التركيز وتراجع القدرة على التعلم.
تقول الطبيبة النفسية للأطفال والمراهقين كارول فيدال، من مركز "جونز هوبكنز" للأطفال، إن وسائل التواصل الاجتماعي مصممة بشكل متعمّد "لكي تعرض المستخدمين لتدفق لا ينتهي من المحتوى"، ما يجعلها مسببة للإدمان. أضافت: " يشكل هذا خطراً لا سيما على الأطفال والمراهقين، لأن أدمغتهم ما تزال في مرحلة التطور وقدرتهم على كبح الرغبات أقل".
الهواتف المحمولة تزيد القلق
جاءت هذه القوانين مدفوعة جزئياً بالأبحاث التي ناقشها جوناثان هايت، أستاذ علم النفس في "جامعة نيويورك"، في كتابه الصادر خلال 2024 بعنوان "الجيل القَلِق". استعرضت عشرات الدراسات التي ربطت بين استخدام الأطفال والمراهقين للهواتف ووسائل التواصل الاجتماعي وبين الارتفاع الكبير في معدلات القلق بين الشباب، بما في ذلك الزيارات الطارئة للمستشفيات بسبب إلحاق الأذى بالنفس.
لم تحظ فكرة فصل الهواتف المحمولة عن الصفوف الدراسية بدعم مشرعين وحكام من الحزبين الجمهوري والديمقراطي فحسب، بل أظهر استطلاع أجراه مركز "بيو" للأبحاث في 2024 أن 68% من البالغين في الولايات المتحدة الأمريكية يدعمون حظر استخدام الهواتف الذكية بين طلاب المرحلتين الإعدادية والثانوية أثناء الحصص الدراسية.
لكن تطبيق الحظر في الواقع يختلف تماماً عن مجرد الحديث عنه، لا سيما في ظل قلق عدد كبير من الأهالي بشأن انقطاع الاتصال بأبنائهم خلال اليوم الدراسي.
هذا ما لاحظته المديرة إنج إسبيغ عندما فرضت حظراً على الهواتف داخل الصفوف في مدرسة "ماكفرسون ميدل سكول" بولاية كانساس، الواقعة شمال مدينة ويتشيتا. في 2022، ومع بدء عملها كمديرة للمدرسة، لاحظت إسبيغ أن الزيادة في التنمر الإلكتروني بين الطلاب كانت تحدث خلال اليوم الدراسي نفسه.
قالت لي: "طلاب المرحلة المتوسطة معروفون نسبياً بأنهم يلتقطون صوراً لزملائهم بقصد السخرية منهم، ويشاركونها عبر وسائل التواصل، خاصة خلال وقت الغداء".
غياب الطلاب واعتراض الأهالي
كانت معدلات الغياب والعقوبات التأديبية في ازدياد، مع بقاء عدد متزايد من الطلاب في منازلهم إما بسبب الخوف من مواجهة المتنمّرين أو لأنهم يمارسون التنمّر بأنفسهم. ولهذا، قررت إسبيغ وفريقها خلال العام الدراسي 2022–2023 فرض قاعدة تُلزم الطلاب بإطفاء هواتفهم وتخزينها في خزائنهم من أول جرس لبدء اليوم الدراسي وحتى جرس انتهاء اليوم.
باستثناءات قليلة، قبل الأطفال الذين نشأوا على استخدام الهواتف المحمولة هذا القرار "ببساطة"، كما تقول إسبيغ. أما الاعتراضات فجاءت من الأهالي.
كيف يجب التعامل مع الهواتف في المدارس؟
تابعت إسبيغ: "لم نكن ندرك حجم التواصل الذي يقوم به الأهل مع أبنائهم أثناء اليوم الدراسي". أعرب كثير من الأهالي عن خشيتهم من عدم قدرتهم على التواصل مع أبنائهم، لا سيما في ظل تكرار حوادث إطلاق النار في المدارس. وأعرب آخرون عن عدم ثقتهم بأن المدرسة ستبلغهم فوراً إذا احتاج أبناؤهم إليهم.
من ثم، شرعت إسبيغ وزملاؤها في تنفيذ خطة طموحة لإقناع الأهالي بفائدة إبعاد الهواتف عن الطلاب أثناء ساعات الدراسة إذ نظموا فعاليات تعريفية للأهالي مع بداية العام الدراسي لتعزيز التواصل، وشجعوا الأهالي على الانخراط في أنشطة تطوعية وزيارات داخل المدرسة، كما حسنوا نظام التنبيهات الخاص بالطوارئ الذي يُبلغ العائلات فوراً عند حدوث أي أمر طارئ.
نتائج الطلاب أفضل
ومع مرور الوقت وتقبّل الأهالي للنظام الجديد، ظهرت نتائج مذهلة على الطلاب: إذ ارتفعت درجات المدرسة في اختبارات القراءة والرياضيات على مستوى الولاية بنسبة 5% خلال العام الأول. كما انخفضت حالات الفصل التأديبي بنسبة 70% بحلول عيد الميلاد، واستمرت منذ ذلك الحين عند نصف المعدلات السابقة. أما التغيب عن المدرسة فقد انخفض من 39% إلى 11%، لأن حظر الهواتف حجب الكثير من التعليقات المؤذية على وسائل التواصل التي كانت تمنع الأطفال الذين يتعرضون للتنمر من الحضور.
سجلت مناطق تعليمية أخرى تبنت قيوداً على الهواتف نتائج مماثلة في سلوكيات الطلاب. في مقاطعة أورانج بولاية فلوريدا، وبعد عام من تطبيق حظر الهواتف في 2023، تراجعت المشاجرات بنسبة 31%، فيما انخفضت قضايا "السلوك الخطير" بنسبة 21%، بحسب ما أفادت به المشرفة التعليمية ماريا فاسكيز للمشرعين في فلوريدا خلال يناير الماضي.
مثل هذه النتائج أسهمت في دفع المسؤولين المنتخبين إلى اتخاذ إجراءات.
قالت حاكمة أركنساس الجمهورية سارة هاكابي ساندرز عند توقيعها قانون الحظر في الولاية مطلع العام الجاري: "برنامج المدارس الخالية من الهواتف لا يسلب الأطفال شيئاً، بل يمنحهم الحرية في التعلم من دون مشتتات".
لاقت الفكرة صدى في واشنطن أيضاً. إحدى الخطوات الأخيرة التي اتخذتها وزارة التعليم في إدارة الرئيس الأمريكي السابق جو بايدن كانت إصدار توصية تدعو جميع الولايات والمناطق التعليمية إلى تبني سياسات لضبط استخدام الهواتف الذكية في المدارس.
تشريعات الهواتف في المدارس
في فبراير الماضي، قدم السيناتور الديمقراطي تيم كاين من ولاية فيرجينيا، وزميله الجمهوري توم كوتون من ولاية أركنساس، مشروع قانون لدراسة تأثير استخدام الهواتف المحمولة في المدارس. كما دعت هذا الأسبوع السيناتورة الديمقراطية إليز سلوكن من ولاية ميشيغان إلى فرض حظر على "وسائل التواصل الاجتماعي والهواتف المحمولة في جميع الفصول الدراسية من الروضة وحتى الصف الـ21 في أمريكا". وعدّت أن التكنولوجيا تُعيق تطور مهارات "حلّ المشكلات التي ستكون ضرورية في اقتصاد المستقبل".
حظر المدارس للهواتف الذكية سيعين أطفالكم
لكن من وجهة نظر المعلمين، كان الفارق الأوضح هو "التغير الكبير في الأجواء"، كما تقول إسبيغ، التي نالت في أبريل الماضي لقب "مديرة العام لمدارس المرحلة المتوسطة في كانساس". إذ لاحظ المعلمون أن الطلاب باتوا أكثر تفاعلاً، سواء في الصفوف أو في ممرات المدرسة.
قالت إسبيغ: "في العام السابق على حظر الهواتف، كنت تقول لطلابك "مرحباً"، فلا يردون ويكملون طريقهم لأنهم منشغلون بهواتفهم. أما بعد الحظر، فصار الأطفال يرفعون رؤوسهم ويتحدثون مع بعضهم، لا سيما في وقت الغداء وأثناء الانتقال بين الصفوف. عندما تقول لهم "صباح الخير"، يردون عليك التحية بالمثل".
كما جرت العادة، يبدو أن الطلاب يعلمون الأمة كلها درساً مهماً. فربما حظر الهواتف هو بالضبط ما نحتاجه جميعاً.
خاص بـ "بلومبرغ"
كاتب عمود في السياسة والسياسات في رأي بلومبرغ.