كيف تؤثر الممرات المائية في حركة الاقتصاد العالمي؟

تدفقات التجارة العالمية ليست مجرد أرقام نراها على شاشات الأسهم أو في عناوين الأخبار الرئيسية، فهي تتحرك عبر المياه. من ناقلات النفط التي تبحر في مضيق هرمز إلى سفن الحاويات التي تعبر قناة بنما، تسافر 90% من جميع السلع المتداولة عبر البحر. ولكن ماذا يحدث عندما تُختنق هذه الشرايين التجارية بسبب الصراعات أو المناخ أو الإكراه؟
وفي ظل عصر تتصاعد فيه التوترات الجيوسياسية والاضطرابات البيئية، أصبحت الممرات المائية أكثر من مجرد طرق تجارية، بل أصبحت نقاط اشتعال. عندما يتم حظر أو تهديد ممر مائي واحد، فإن التأثيرات تتنقل عبر سلاسل الإمداد العالمية، ما يؤدي إلى ارتفاع الأسعار، وتعطيل الصناعات. وكما رأينا في أزمة البحر الأحمر، فإن العواقب قد طالت عربات التسوق، وأرضيات المصانع، والميزانيات الوطنية على حد سواء.
من آسيا حيث مضيق ملقا الرابط بين المحيطين الهندي والهادئ الذي يشكل نقطة مرور محورية للتجارة العالمية، حيث يعبر من خلاله 30% من حجم التجارة العالمية، مع اعتماد أكبر منتج للسلع في العالم "الصين" على المضيق في نقل الجزء الأكبر من تجارتها للعالم.
إلى الشرق الأوسط حيث توجد أهم الممرات حيوية للاقتصاد العالمي، من مضيق هرمز الذي ينقل 21% من تجارة النفط العالمية ونحو 20% من صادرات الغاز الطبيعي المسال، إلى مضيق باب المندب المدخل الرئيسي لقناة السويس الشريان الحيوي لحركة الشحن والتجارة الدولية. وصولًا إلى قناة بنما الرابطة بين المحيطين الأطلسي والهادئ، وتؤدي دورا مهما في التجارة العالمية، حيث يمر من خلالها 46% من حاويات الشحن التي تتنقل من شمال شرق آسيا إلى الساحل الشرقي للولايات المتحدة، وتتعامل مع 3% من حجم التجارة العالمية.
وبقدر مما تتشارك تلك الممرات الأهمية للتجارة والاقتصاد العالمي، إلا أنها تتشارك كثير من المخاطر، من عمليات القرصنة إلى التغيرات المناخية، وصولًا إلى استخدامها كورقة ضغط في الصراعات الجيوسياسية. انعكاس تلك المخاطر على العالم تكون بمنزلة الكارثة الاقتصادية.
وقد كانت أزمة الشرق الأوسط وما تبعها من توترات في مضيق باب المندب التي بدأت في نهاية 2023 خير مثال، فقد دفعت الأزمة شركات الشحن لاتخاذ مسارات أطول لتجنب مخاطر المرور في البحر الأحمر، حيث ارتفع تكاليف الشحن بين شنغهاي في الصين وروتردام في هولندا بنسبة 230% بين نهاية 2023 وبداية 2025.
القفزة في أسعار الشحن ترتد إلى المستهلكين في شكل تكاليف أعلى للسلع، وتنعكس على الميزانيات الحكومية في تحمل أسعار أعلى للمنتجات الأساسية كالطاقة. في النهاية تترك مخاطر العبور في الممرات الملاحية العالم في أزمة تضخم وعجز في إمدادات سلاسل الإمداد وانكماش في الاقتصاد.
معالجة تلك المخاطر تتطلب تكاتف دولي وجهود مشتركة تسهم في الحفاظ على حرية الملاحة وتضمن تدفقات التجارة والسلع العالمية بسلاسة.
تمتد تلك الجهود إلى ضرورة تشكيل مجلس دولي تكون مهمته ضمان أمن الممرات التجارية الرئيسية مع إعطائه الصلاحيات اللازمة لتنفيذ مهماته على أكمل وجه.
تعزيز التعاون بين المنظمات الدولية وشركات الشحن العالمية والدول المجاورة للممرات التجارية لمكافحة عمليات القرصنة التي تتم في تلك المناطق. على أن تشمل تنسيق وتحديث أجهزة الرصد والتتبع، وتعزيز أمن الملاحة عبر دوريات منتظمة.
التغير المناخي هو عائق أمام استمرارية عمل الممرات المائية وبالأخص الصناعية مثل قناة بنما. لذلك من الضروري بناء وتجهيز أجهزة إنذار مبكر لرصد الظواهر المناخية التي تؤثر في عمل القناة، مع أهمية التنسيق مع منظمات الأمم المتحدة والدول الفاعلة لتبنى السياسات التي تخفف من الأضرار المحتملة كانخفاض الأمطار وموجات الجفاف، إضافة إلى تشجيع شركات الشحن على تبنى الطاقة النظيفة في عملية الشحن.
ختاما فقد جعلت جغرافيا الأرض الممرات المائية عنصر ضروري للازدهار الاقتصادي، لذلك لم يعد بإمكاننا تحمل تجاهل حرية الملاحة، ولا افتراض أن التجارة العالمية سيتم تصحيح مسارها من خلال طرق أطول وتكاليف أعلى. فقد حان الوقت لتنسيق دولي حاسم، يشمل مجلس أمن بحري عالمي، وبنية تحتية مقاومة لتغير المناخ، وعمليات مشتركة لمكافحة القرصنة. البديل هو الهشاشة الاقتصادية، وفي ظل عالم متصل بالماء، يجب أن تصبح حماية الممرات المائية أولوية عالمية.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي