خفض التصنيف الائتماني وأثره في الأسواق

بعد فرض الرئيس ترمب رسوما جمركية شملت دول العالم بأسرها، استطاعت الأسواق تعويض كثير من خسائرها التي تعرضت لها، فمنذ الثاني من أبريل أو كما يسميه "ترمب" يوم تحرير أمريكا فقدت الأسواق والشركات كثيرا من قيمتها السوقية، وشملت موجة الخسائر والتراجعات عديدا من الأسواق، إلا أن موجة التعافي والارتدادات كانت مجزية بل وسخية في الوقت نفسه.
فعلى سبيل المثال لا الحصر انخفض مؤشر الإس آند بي 500 بـ15% بعد الثاني من أبريل، بينما ارتد بعدها محققا حتى الآن ارتفاعا بنسبة 23%، ما يعني أنه استطاع تعويض خسائره بل وزاد عليها 8%، وكذلك مؤشر الناسداك الذي تراجع 16.5% منذ أحداث الثاني من أبريل، بينما ارتد بعدها بـ30%، هذا التذبذب الكبير انخفاضا وارتفاعا يظهر مدى حساسية الأسواق للأخبار، كما يظهر تعطش الأسواق لأي بصيص أمل يمنحها انفراجا فيما يخص الرسوم الجمركية.
وما أن هدأت وتيرة تبادل قرارات الرسوم الجمركية بين أكبر اقتصادات العالم، وبدى أن هناك انفتاحا للحوار ومجالا للتفاوض بين الولايات المتحدة من جهة ودول العالم وعلى رأسها الصين من جهة أخرى، وما أن اعتقدت الأسواق أنها أصبحت في مأمن إلى حد ما، حتى جاء خبر تخفيض وكالة موديز تصنيفها الائتماني للولايات المتحدة، وبذلك تكون "موديز" الوكالة الأخيرة التي تخلت عن تصنيفها للولايات المتحدة بشكل مرتفع، والذي تبعه تخفيضها للتصنيف الائتماني لأكبر البنوك الأمريكية.
فقد شمل قرار خفض التصنيف بنوك عدة منها "جيه بي مورجان" و"بنك أوف أمريكا" و"ويلز فارجو" و"بنك أوف نيويورك ميلون"، وعزت الوكالة (موديز) إلى صعوبة بل وضعف قدرة الحكومة الأمريكية على دعم هذه البنوك في حال احتاجت إلى ذلك، كما حذرت الوكالة بالوقت نفسه من ارتفاع مستوى الدين الأمريكي وتفاقم العجز المالي.
ورغم تأثر الأسواق بتلك الأخبار بشكل طفيف إلا أن الداعي لها ربما يكون هو الأهم خاصة في مثل هذا التوقيت، الذي يصارع فيه أكبر اقتصاد في العالم (الولايات المتحدة) للسيطرة على موجات من التضخم من جهة، والوقوع في موجات الركود من جهة أخرى، فإن الحقيقة أن هذه الأخبار من خفض تصنيف للاقتصاد وكذلك خفض تصنيف أكبر شركات القطاع المالي ربما يكون بمنزلة الصاعقة التي ربما لم تستوعبها الأسواق حتى الآن بالشكل المناسب.
فمن الناحية الأساسية تحتاج الأسواق لوقت لاستيعاب هذه الأخبار، ومن الناحية الفنية فالأسواق مرشحة للتهدئة بعد عطاء كان عاليا من حيث النسبة، وقصيرا من حيث الوقت، وتعد حاليا أغلب المؤشرات الأمريكية كالإس آند بي والناسداك في مناطق تشبع شرائية، ما يعني أن التهدئة وربما الدخول بعمليات جني أرباح على أقل تقدير بات على الأبواب، لذلك يفضل للمستثمر الحفاظ على مستويات سيولة مناسبة خاصة في مثل هذه الأوقات التي تتسم بفجائية أخبارها.
وبحكم أن المؤشرات الأمريكية تعد إلى حد كبير مؤثرة في حركة بقية الأسواق، فمن الطبيعي أن أي موجات تراجع لن تكون حصراً على مؤشرات السوق الأمريكية فحسب، لذلك متابعة مناطق الدعم والتعامل معها عند أي كسر بشكل فوري، سيكون مناسبا للمحافظة على استقرار رأس المال، فأي تراجعات أعلى من مناطق ومستويات الدعم ستكون طبيعية وما سوى ذلك فيستلزم الحذر، والله أعلم بالصواب.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي