ثروات الأغنياء في أمريكا تتزايد.. ظاهرة ترسخت خلال عهد بايدن وتتنامى مع ترمب
سجلت ثروات الأسر الغنية في الولايات المتحدة نموا ملحوظا في السنوات الأخيرة، ما أدى إلى اتساع الفجوة بين الأثرياء وباقي شرائح المجتمع.
في 2024، أي قبل تنصيب الرئيس الأمريكي الحالي دونالد ترمب، وفي ظل حكم الحزب الديمقراطي الذي يتغنى بمساندة الفقراء والطبقة المتوسطة، شهدت الولايات المتحدة أكبر قفزة سنوية مسجلة في التاريخ الحديث لثروات الصفوة المالية.
وزادت ثروات أغنى 19 عائلة أمريكية بنحو تريليوني دولار، وهي زيادة تفوق حجم اقتصاد سويسرا. ترافقت تلك الطفرة التاريخية مع زيادة ملحوظة في أعداد المليارديرات الأمريكيين في عهد الرئيس السابق جو بايدن.
هذا التركز المتزايد للثروات في يد فئة معينة أثار جدلا واسعا حول العدالة الاقتصادية وفاعلية السياسات الضريبية، حيث يرى كثيرون أن تفاقم الظاهرة يعمق التفاوت بين طبقات المجتمع ويؤثر سلبا في فرص الصعود الطبقي والاستقرار الاقتصادي.
وتتصاعد الدعوات لمساءلة النخب المالية حول دورها في إعادة توزيع الموارد والمساهمة في الصالح العام.
نمو ثروات الأغنياء "ظاهرة أمريكية أصيلة" مرشحة للتزايد
يرجع التنامي في ثراء الأسر الأغنى بالأساس إلى التغيرات الإيجابية في أسواق المال، خاصة سوق الأسهم، التي استفاد منها كبار المستثمرين.
مع هذا، ترى الدكتورة جين آرثر، أستاذة الاقتصاد الدولي، أن زيادة ثراء الأسر الأمريكية "ظاهرة أصيلة" في النموذج الاقتصادي الأمريكي؛ لكنها تشير إلى أنها زادت وضوحا منذ ثمانينيات القرن الماضي، والآن بلغت مستويات غير مسبوقة.
تتوقع آرثر تزايد الاستقطاب المالي في الولايات المتحدة في السنوات المقبلة "خاصة في ظل إدارة الرئيس ترمب".
وقالت لـ "الاقتصادية" إن الآليات الأمريكية الراهنة لتوزيع الثروة "لا تعمل بالكفاءة المطلوبة؛ والمنظومة الضريبية وأسواق المال الأمريكية باتت تعظم ثروات الأثرياء بوتيرة أسرع من أي وقت مضى."
مع هذا، يعتقد الخبير المالي هاري روك أن تلك الثروات وعلى ضخامتها تعاني من نقاط ضعف شديدة.
ومن وجهة نظره، فإن "تسوماني التعريفات الجمركية الذي أطلقه الرئيس ترمب خلق موجة من التقلبات الحادة في الأسواق، وتحديدا سوق الأسهم؛ والجزء الأكبر من ثروات الأسر الثرية في الولايات المتحدة مرتبط بالأسهم، وتحديدا أسهم شركات التكنولوجيا والبنوك".
وبينما قال لـ "الاقتصادية" إلى أن هذه الأسهم "شديدة الحساسية للتوترات الاقتصادية العالمية" فقد أشار إلى أن التخفيضات الضريبية والحوافز المالية المقترحة من ترمب لأصحاب رؤوس الأموال قد تعزز ثراء الأثرياء وتمثل تعويضا عن التراجعات التي حدثت لثرواتهم مع اهتزاز سوق الأسهم.
زيادة الثراء ظاهرة تحمل مخاطر على المجتمع الأمريكي
يعتقد خبراء أن ظاهرة تركز الثروة تحمل مخاطر، ليس فقط على المجتمع الأمريكي، ولكن أيضا على اقتصاد البلاد ذاته، خاصة أن تركز الثروة في الولايات المتحدة يتجاوز حاليا مثيله في بلدان رأسمالية متقدمة مثل بريطانيا وفرنسا وألمانيا.
الباحث في مجال الاقتصاد الاجتماعي جريجوري ستافورد قال لـ "الاقتصادية": "لا شك أن تركّز الثروات يمنح المجتمع في بعض الأحيان قاطرة قوية وسريعة للنمو الاقتصادي، من خلال القدرة على حشد رؤوس أموال ضخمة لدى أشخاص مبتكرين، ما يمكنهم عبر استثمار أموالهم في قطاعات محددة من جذب باقي قطاعات الاقتصاد الوطني للأمام".
لكنه اعتبر أن ما وصفه بالإفراط في تركز الثروة "يخلق على الأمد الطويل تشوهات اقتصادية، أبرزها التركيز على قطاعات اقتصادية محددة؛ وبمرور الوقت، تصبح تلك القطاعات تقليدية وتتصدى لأي قطاعات جديدة ذات آفاق ابتكارية."
واعتبر أن تركُّز الثروات "يتيح لرؤوس الأموال العملاقة إمكانية الإضرار بالمشروعات الصغيرة والمتوسطة المنافسة، ومن ثم يخلق مناخا احتكاريا يؤدي إلى تداول الثروة بين فئة محددة من الأشخاص وتضيق المناخ على المستثمرين الجدد."