النفط وقيود العرض

الإجراءات الأمريكية كانت المحرك الأكبر لسوق النفط في مارس. فمن جهة، شدّدت العقوبات على فنزويلا، وحيدت نحو 20 مليون برميل من النفط الإيراني، وأجّجت المضاربات في السوق. ومن جهة أخرى، قد تكون الآثار طويلة المدى للرسوم الجمركية مدمرة لاستهلاك النفط، إذ قد تُثير رسوم استيراد السيارات البالغة 100 مليار دولار إجراءات مقابلة من أوروبا أو اليابان.

بشكل عام، حققت أسعار النفط مكاسب للأسبوع الثالث على التوالي. مع ذلك، واجه خام برنت وخام غرب تكساس الوسيط صعوبة في الحفاظ على زخمهما الصعودي فوق مستوى 74 و70 دولارا للبرميل على التوالي، متأثرين بعدم يقين الاقتصاد الكلي والمقاومة الفنية القوية. وقد خلق التفاعل بين العقوبات والرسوم الجمركية وإشارات الطلب خلفية معقدة جعلت السوق توازن بين إمكانات الصعود ومخاطر الهبوط.

على الرغم من تراجعها يوم الجمعة، أنهت العقود الآجلة لخام برنت وخام غرب تكساس الوسيط الأسبوع بارتفاع بنسبة 1.9 و1.6%، لتغلق عند 73.63 و69.26 دولار للبرميل على التوالي. ومنذ أن سجلا أدنى مستوياتهما في بداية مارس، ارتفع خام برنت بأكثر من 7%، وخام غرب تكساس بأكثر من 6%.

جاء المحرك الصعودي الرئيسي الأسبوع الماضي من تصعيد العقوبات الأمريكية على فنزويلا وإيران. أثار قرار فرض تعريفة جمركية بنسبة 25% على الدول المستوردة للنفط الفنزويلي موجة من التوترات في السوق. واستجابة لذلك، أوقفت شركة ريلاينس إندستريز الهندية، المشغلة لأكبر مجمع تكرير في العالم، وارداتها من فنزويلا، ما عزز المخاوف من نقصٍ وشيك في الإمدادات.

في الوقت نفسه، أدى تجديد تطبيق العقوبات القصوى على النفط الإيراني – التي تستهدف المصافي وشركات الشحن المرتبطة بالصين – إلى زيادة شحّ الإمدادات المتاحة. ويهدد التأثير المشترك لكلا الإجراءين بإيقاف مئات الآلاف من البراميل يوميا عن السوق العالمية، مع احتمال خسارة شركة شيفرون 200 ألف برميل يوميا من الإنتاج في فنزويلا، ما يزيد من تشدد الإمدادات.

وعزز الانخفاض الأكبر من المتوقع في مخزونات النفط الخام الأمريكية بنحو 3.3 مليون برميل المعنويات الصعودية – وهو أكثر من 3 أضعاف توقعات المحللين. ويعزز هذا الانخفاض علامات تحسن الطلب الأمريكي وتقلص المعروض المحلي، ما يعزز الأسعار بشكل أكبر.

ومع ذلك، لا تزال المعنويات الصعودية مقيدة بعدم اليقين بشأن الطلب. حيث، تُثير أحدث رسوم جمركية أمريكية بنسبة 25% على السيارات والشاحنات الخفيفة المستوردة مخاوف بشأن تكاليف المستهلكين والطلب على النفط. على الرغم من أن ارتفاع أسعار السيارات قد يكبح الطلب على البنزين، فإن بعض المحللين يشيرون إلى أنه قد يبطئ أيضا تبني زيادة كفاءة سيارات الاحتراق الداخلي أو المركبات الكهربائية، ما قد يدعم الطلب على النفط على المدى القريب.

وعلى الرغم من استقرار بيانات الطلب على النفط أخيرا، لا يزال المحللون حذرين بشأن اتجاهات الطلب العالمي الأوسع، ولا سيما مع ترقب صدور مؤشرات رئيسية مثل مؤشر مديري المشتريات الصيني. وأي علامة على ضعف اقتصادي من أكبر مستورد للنفط في العالم قد تضغط على الأسعار أكثر.

من ناحية أخرى، لا تزال "أوبك+" ملتزمة بإستراتيجيتها المتمثلة في زيادات الإنتاج الشهرية التدريجية، مؤكدة زيادة قدرها 138 ألف برميل يوميا بدءا من أبريل، مع توقعات بخطوة مماثلة في مايو، ما قد يحد من الزخم الصعودي. ومع ذلك، يُطلب من عديد من الأعضاء خفض الإنتاج بشكل أكبر للتعويض عن الإنتاج الزائد السابق.

وفي حين يُوحي هذا بارتفاع المعروض، لا تزال المجموعة تحجب ما يقرب من 5.85 مليون برميل يوميا، أي نحو 5.7% من المعروض العالمي. هذا الانضباط، إلى جانب الخسائر غير المتوقعة من الدول الخاضعة للعقوبات، يدعم بيئة أسعار صعودية.

على المدى القريب، ستكون أسواق النفط مدعومة بشكل أساسي بانخفاض المعروض الناجم عن العقوبات الصارمة واستمرار قيود "أوبك+". ومع ذلك، فإن احتمالات الصعود تتراجع بشكل متزايد بسبب عدم يقين الاقتصاد الكلي ومخاطر الطلب الناجمة عن الرسوم الجمركية.

حاليا يميل ميزان المخاطر إلى توقعات صعودية حذرة، حيث يراقب السوق عن كثب الأوضاع الجيوسياسية، قرارات "أوبك+" وإشارات الاقتصاد الكلي لاستشراف مزيد من الاتجاهات. والانخفاض الكبير في مخزونات النفط الخام الأمريكية يدعم هذا التوجه الصعودي، مؤكدا قوة الطلب الأمريكي إلى جانب قيود العرض العالمية. ستظل اتجاهات المخزونات مقياسا رئيسيا لاستشراف معنويات السوق في الأسابيع المقبلة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي