ماذا تحمل التقنية من أخطار مُستقبلية؟
يختص هذا المقال بمناقشة الأخطار التقنية التي طرحها "المُنتدى الاقتصادي العالمي WEF" في تقريره السنوي الخاص "بالأخطار العالمية Global Risks"، والصادر أخيرا عام 2024. فقد طرح هذا التقرير 34 خطراً على العالم في مجالات "الاقتصاد، والمُجتمع، والبيئة، والجغرافيا السياسية، والتقنية"، وكان نصيب التقنية فيها 6 أخطار، أي نحو 18 % من مجمل الأخطار على العالم. وللتقنية بالطبع دور في عدد من الأخطار في المجالات الأخرى. وسنقدم أمثلة على ذلك فيما سيأتي من طروحات هذا المقال. وسنستعرض أخطار التقنية الـ6 في تسلسل يتبع تسلسل أهمية تأثيرها في العالم، الوارد في التقرير المذكور، وذلك في الإطار الزمني للعامين القادمين.
يرتبط الخطر التقني الأول "بالتضليل المعلوماتي" الناتج عن طرح معلومات خاطئة عبر التقنيات الرقمية للعالم السيبراني. وقد تأتي مثل هذه المعلومات في إطار حسن النية، والخطأ غير المقصود الناتج عن دراسة غير موفقة؛ أو ربما الخطأ الناتج عن حالة اجتهاد في النظر إلى معلومات أصلاً خاطئة يطرحها آخرون ونشرها دون تحليل كافٍ يكشف الخطأ في مضامينها. كما قد تأتي مثل هذه المعلومات أيضاً في إطار سوء النية والغش واختلاق معلومات لا أصل لها من أجل نيات خبيثة. ولهذا الخطر التقني آثار سلبية في مُختلف مجالات الحياة حول العالم. ومن هذا المُنطلق، سنطرح هذا الخطر، بشيء من التفصيل، في المقال القادم -بمشيئة الله-.
يتعلق الخطر التقني الثاني "بتحديات الأمن السيبراني". وتشمل هذه التحديات الجرائم السيبرانية التي تسعى إلى إعاقة الأعمال المُختلفة التي تتم عبر العالم السيبراني، والتي باتت ذات أهمية كبيرة، لأنها تُغطي مُختلف جوانب الحياة. وتتضمن هذه التحديات أيضاً التجسس السيبراني، والعمل بالوسائل المُختلفة على كشف معلومات الآخرين من أجل الاستفادة منها في مُنافسة، أو في حروب سيبرانية، أو حتى حروب فعلية على أرض الواقع، خصوصاً وأن البنى الأساسية للدول باتت تعمل من خلال بنى سيبرانية خاصة بها. ولعل من المفيد هُنا ذكر أن حالات التجسس السيبراني والحروب السيبرانية قائمة بين كثير من الدول، أو حتى الشركات، لكنها غير مُعلنة، وغالباً ما تتم بالنيابة، من خلال مجموعات مأجورة، أو مُعدة مُسبقاً، من المُتخصصين "باختراق" الأمن السيبراني وهُناك معايير محلية ودولية لحوكمة الأمن السيبراني من أجل حمياته، لعل من أبرزها معايير هيئة المعايير الدولية التي تحمل الرمز ISO 27000.
يشترك الخطران الثالث والرابع في قلقهما تجاه "الاحتكار التقني والحد من حقوق التواصل المعرفي". فالخطر الثالث يُبرز حقيقة وجود تركيز للقوة التقنية الخاصة ببعض التقنيات الهامة في دول أو شركات بعينها، أو حتى أفراداً. أما الخطر الرابع فيُظهر حقيقة أخرى هي وجود "رقابة" في بعض الدول تحد من التواصل المعرفي ليس تقنياً فقط، ولكن على مدى شؤون المعرفة الأخرى.
والمطلوب استجابة لهذين الخطرين التوجه نحو تحقيق العدالة التقنية والبعد عن الاحتكار التقني، فضلاً عن إتاحة الحرية المعرفية للجميع، ولكن مع توخي الحذر من "التضليل المعلوماتي". ويقضي ذلك بوضع أنظمة حوكمة تعاونية لنقل التقنية وتبادل الأفكار بشأنها على المستوى الدولي في القطاعين العام والخاص، فضلاً عن تشجيع نشر المعرفة الموثوقة، وتبادلها، وتفعيل الابتكار والاستثمار في الدول المُختلفة، خصوصاً تلك الأقل حظاً في المجالات العلمية والتقنية.
ونصل إلى الخطرين الخامس والسادس، ولهما أيضاً جانب مُشترك يتمثل في "التوجس من سلبيات معطيات التقنية". فالخامس يتوجس من "سلبيات الذكاء الاصطناعي"، والسادس يتوجس من "سلبيات معطيات التقنية الحديثة الهامة" بمختلف أشكالها. والحقائق القائمة حالياً هي أن للذكاء الاصطناعي واستخداماته المُختلفة، يُمكن أن تحمل أخطاراً اقتصادية، بينها البطالة في بعض المهن، وأخطاراً أخلاقية، بينها التضليل المعلوماتي. وفي التقنيات الهامة الأخرى أخطار سلبية ينبغي دراستها. ولعل المعايير المحلية والدولية المُتاحة لحوكمة الأخطار، ومن أبرزها معايير هيئة المعايير الدولية التي تحمل الرمز ISO 31000، تُساعد في ذلك.
لا شك أن للتقنية فوائد جمة في شتى المجالات، ولا شك أيضاً أنها تحمل، مع هذه الفوائد أخطاراً ينبغي إدراكها، وعلينا في هذا الأمر استخدام التقنية بحكمة تُعظم فوائدها وتحد من أخطارها إلى الحد الأدنى، إن لم تستطع إلغاءها تماماً.