هل بإمكان الصين تصدير العقار والشقق؟
كثر الحديث عن الصين في الصحافة الغربية. قد لا يمضي يوم إلا ولدينا قصص من الصين. وأنا أنقل بعض هذه القصص أرى من الواجب أن أمنح القارئ الكريم السياق الذي تجري فيه.
لم يكن للغرب منافس شديد البأس مثل الصين. صحيح، أن الاتحاد السوفيتي السابق كان ندا قويا، بيد أن قدرته كانت محصورة في الجانب العسكري بينما أغلب المؤشرات الاقتصادية لديه لم تكن حسبما يرام.
مع الصين الوضع مختلف تماما. الغرب يواجه تنينا اقتصاديا ذا طاقات وإمكانات مهولة وعلى الخصوص في حقل الإنتاج والتصدير. الصين لها المقدرة على إحداث طوفان في الإنتاج يغرق ليس أسواقها لتلبية حاجات سكانها البالغ عددهم أكثر من 1.4 مليار نسمة بل العالم برمته البالغ سكانه نحو ثمانية مليارات بشر.
في حالة الاتحاد السوفيتي كان هناك قصور في الإنتاج والتصدير الى درجة أن الدولة رغم عظمتها العسكرية لم يكن في مقدورها تلبية الحاجات الاستهلالكية الأساسية لمواطنيها.
ومن ثم، فإن المنتج السوفيتي -عدا بعض أنواع الأسلحة- لم يرق من حيث الجودة الى مستوى المنتج الغربي.
في حالة الصين، التي ولجت التصميم الصناعي والتكنولوجي من أوسع أبوابه، الأمر مختلف تماما، فرغم الوفرة التي تصل حد التخمة في التجارة العالمية، فإن المنتج الصيني ورغم سعره المنخفض مقارنته بالمنتج الغربي يرتقي من حيث النوعية والجودة الى مستوى المنتج الغربي لا بل يبزه في كثير من المناحي.
ولاحظ الغرب أن لا حدود لوفرة البضاعة القادمة من الصين وصار الإفراط في الإنتاج والتصدير من قبل الصين مشكلة اقتصادية عويصة تكاد تعصف بالعلاقات التجارية وتلقي ظلالها على حرية التجارة وفرض التعاريف الجمركية القاسية.
في الإنجليزية يستخدمون مصطلح overproduction أي التخام الإنتاجي أو الإنتاج المفرط، وهي سياسة اقتصادية اتبعتها الصين في التصدير وحتى اللحظة وتجني ثمارا طيبة منها وهي التي أدامت عجلة الاقتصاد فيها.
وحتى وقت قريب، كان في إمكان الاقتصاد الصيني تحدي أهم قاعدة في علم الاقتصاد وهي العلاقة بين الطلب والعرض وبين الإنتاج والأسعار.
الحافز إلى الإنتاج يستند إلى السعر. زيادة المعروض يخفض الأسعار وقلة المعروض تدعم الأسعار. وارتفاع السعر يزيد المعروض من السلعة، وانخفاض السعر يؤدي إلى انخفاض المعروض.
الصين يبدو أنها لم تكترث لهذه القواعد والمعادلات حيث استمر الإنتاج والتصدير الوفير رغم الأسعار المنخفضة. والحق يقال، إن الصين أبدعت في تحديها لهذه القواعد حيث في إمكانها إدامة التصدير "المفرط" حول العالم وبأسعار لا أظن في إمكان أي اقتصاد منافستها، كل هذا، وتخام التصدير يدر أربحا مجزية للصين.
ما يؤخذ على الصين أن واضعي الخطط الاقتصادية لديها يبدو أنهم لم يميزوا أو نسوا أن يفرقوا أن هناك فرقا كبيرا بين المنتج القابل للتصدير والمنتج غير القابل للتصدير.
في الإمكان تصدير ألواح الطاقة الشمسية أو السيارات الكهربائية أو غيرها من السلع، وإن أغلقت سوق بابها فهناك أسواق أخرى بديلة وطرق كثيرة لتحفيز التصدير.
ولكن اتباع تخام الإنتاج مثلا في العقار والإفراط في بناء المساكن والشقق السكنية دون النظر إلى التبعات يشبه داء التخمة التي تصيب الإنسان جراء الإفراط في الأكل.
وها هي سوق العقار في الصين تمر بظروف قاهرة نتيجة الإفراط في الاستمثار والمبالغة الشديدة في توقعات الريع العقاري.
تشير الإحصائيات التي تنقلها الصحافة الغربية عما تقول إنه مصادر صينية أن هناك حاليا من الشقق الحديثة البناء والخالية ما يكفي لإيواء السكان في الصين برمتهم، وهناك من يعتقد أن سوق العقار المعروض للبيع من الضخامة في مكان ما يكفي لإيواء ضعفي السكان (ثلاثة بلايين نسمة) – أي أكثر من ثلث العالم.
إن كان هناك مبالغة في الصحافة الغربية أم لا، فإن ذلك لا يغير من منطلق مقالنا هذا: الصين ليس في إمكانها تصدير العقار والشقق، والعقار الذي يشكل ربع الإنتاج المحلي الإجمالي يمر في مشكلة مكتوب تحتها "صنع في الصين".
موضوع شيق سنعرج عليه في مقالات قادمة ونحاول مقاربته مع سياسة الريع العقاري الغالبة في دول الخليج العربية.