اقتصاد صناعة المحتوى.. سوق واعدة

عند التطرق لعملية التطور التكنولوجي الذي شهدها العالم في العقدين الأخيرين فلن يقتصر الحديث عن الإسهام المباشر الذي تركته التقنيات المختلفة على الاقتصاد ولكن يمتد إلى الصناعات الأخرى التي دعمتها التكنولوجيا، ومنها صناعة المحتوى والتي أسهمت ثورة التكنولوجيا في تحويلها من مجرد هواية إلى صناعة كاملة تدر عشرات المليارات من الدولارات سنويا وتوظف مئات الآلاف من الأفراد وتعتمد عليها مختلف العلامات التجارية في جميع أنحاء العالم في الترويج لمنتجاتها، ومع انتشار جائحة كورونا واتجاه الدول للإغلاق وزيادة الاعتماد على التكنولوجيا اتخذت صناعة المحتوى مسارا صعوديا واكتسبت مزيدا من الشعبية وبالأخص مع ظهور منصات جديدة تسهم في زيادة انتشار المحتوى مثل تيك توك، ومع التطور والزخم الكبير حول تلك المنصات ذهبت كبرى الشركات العالمية للدخول كمنافس شرس في صناعة المحتوى وذلك عبر إنشاء منصات خاصة تقوم بإنتاج ونشر المحتوى، وتشمل صناعة المحتوى عديد من الصور مثل الفيديوهات والبودكاست والمدونات الإلكترونية والتسويق عبر وسائل التواصل الاجتماعي وغيرها.

الأهمية المتزايدة لصناعة المحتوى خلقت له سوق عملاق على مستوى العالم، فوفقا لتوقعات بنك جولدمان ساكس من المقدر أن يصل حجم سوق اقتصاد صناعة المحتوى بحلول 2027 إلى 480 مليار دولار وذلك مقارنة مع 250 مليار دولار في الوقت الحالي بمعدل نمو مركب يصل إلى 92 %، النمو المتزايد في حجم اقتصاد المحتوى انعكس أيضا على اقتصاديات الدول فوفقا لدراسة لمؤسسة أكسفورد إيكونوميكس فإن صناعة المحتوى على موقع يوتيوب أسهمت في 2021 في الولايات المتحدة في خلق نحو 425 ألف وظيفة بدوام كامل، وإضافت نحو 25 مليار دولار إلى الناتج المحلي الإجمالي، وتشير التطورات إلى أن سوق المحتوى ينتظر طفرات كبيرة في الأعوام المقبلة مدعوما بنمو الإنفاق من الشركات على التسويق والإعلان بجانب ظهور تقنيات جديدة مثل الذكاء الاصطناعي والتي ستسهم في دعم الصناعة.

حجم الانتشار الكبير الذي خلقته صناعة المحتوى دفع الشركات لتوجيه اهتماهها تجاه المنصات الرقمية، فمن المتوقع أن يصل حجم الإنفاق العالمي على الدعاية والإعلان عبر وسائل التواصل الاجتماعي بحلول 2029 إلى نحو 346 مليار دولار مقابل 212 مليار دولار في 2023، حجم الإنفاق الكبير تدعمه عديد من العوامل أهمها الانتشار الكبير الذي يحققه التسويق عبر وسائل التواصل الاجتماعي وذلك مقارنة بالوسائل التقليدية، حيث تسمح بالوصول لأكبر عدد ممكن من المستهلكين في مختلف أنحاء العالم ولا يكون مقتصرا على منطقة أو دولة محددة، على سبيل المثال اذا كنت مقيم في الرياض تستطيع أن تشاهد صانع محتوى يروج لمطعم في الهند أو لعلامة تجارية في الولايات المتحدة، وبالتالي تسهم صناعة المحتوى في انتشار المنتجات للشركات بشكل أوسع ما ينعكس على مبيعاتها.

صناعة المحتوى أيضا أعطت دفعة كبيرة للشركات الناشئة حول العالم، ففي مراحلها المبكرة لا تستطيع الشركات الناشئة الوصول إلى الوسائل التقليدية للدعاية والتسويق مثل القنوات الفضائية، وبالتالي شكلت المنصات الجديدة وصانعي المحتوى فرصة لتلك الشركات لعرض خدماتها بمعدلات إنفاق مناسبة لإمكانتها مع تحقيق سرعة انتشار كبيرة ووصول للمستخدمين في فترات قصيرة.

السوق الواعد لاقتصاد صناعة المحتوى جذب كبرى الشركات العالمية للدخول بقوة للمنافسة في السوق كصانع للمحتوى، على سبيل المثال قامت شركة أمازون بإنشاء منصة "أمازون بودكاست" بهدف إنشاء ونشر المحتوى الصوتي، أبل أيضا انخرطت في الصناعة وأطلقت "أبل بودكاست" إضافة إلى جوجل التي أطلقت "جوجل بودكاست"، إضافة إلى عديد من الشركات الأخرى التي اخترقت الصناعة، وأصبحت تنتافس بقوة المنصات التقليدية التي تربعت على عرش صناعة المحتوى في العالم في السنوات الأخيرة وعلى رأسها يوتيوب وتيك توك وميتا بتطبيقاتها المختلفة مثل فيسبوك وإنستجرام.

في السعودية ينمو سوق صناعة المحتوى الرقمي ومنصات الفيديو بسرعة كبيرة، حيث تشير التقديرات أن يتراوح حجم السوق بحلول 2030 بين 4.3 إلى 5.3 مليار دولار، التوقعات المتفائلة لحجم السوق في المملكة تدعمها العديد من المؤشرات أهمها الاهتمام الكبير التي تحظى بها صناعة المحتوى في المملكة في الوقت الحالي بجانب التقدم التقني الكبير الذي تشهده، لذلك فإن صناعة المحتوى في المملكة مرشحة بقوة لأن تكون ذات ريادة عالمية وليست محلية فقط.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي