التحول الرقمي وتعزيز التنمية

يحمل التحول الرقمي، كعمل مطلوب، مسؤولية تفاعل التقنية الرقمية مع مجالات الحياة المختلفة، المهنية منها والاجتماعية، حيث يحقق ذلك للإنسان أداء أفضل في تنفيذ نشاطاته، ويمنحه آفاقا جديدة لتطوير هذه النشاطات، إضافة إلى إعطائه مزيدا من الرفاهية. وتسهم هذه الفوائد في تفعيل التنمية وتعزيز استدامتها. ولا شك أن الإنترنت، التي بدأت في تسعينات القرن العشرين، كانت الممكن الرئيس للتحول الرقمي على امتداد الدول، وعلى مستوى العالم، حيث تطورت التطبيقات والخدمات الرقمية المقدمة عبرها، وبرز ما يعرف بالعالم السيبراني الذي بات يتحكم، جزئيا أو كليا، بالشؤون المعلوماتية المختلفة لشتى قطاعات العمل في العالم المادي.

ولعل من أبرز التطورات التي أسهمت في بناء العالم السيبراني، ما تم في مطلع الألفية الثالثة، 2000، حينما قدم مؤتمر قمة الأمم المتحدة، المنعقد في نيويورك في ذلك الحين، ما عرف بأهداف الألفية للتنمية MDGs، وقد ورد بين هذه الأهداف "ضرورة توفير التقنيات المفيدة للتنمية على نطاق واسع، وخصوصا تقنيات المعلومات والاتصالات". وقد أعقب هذا الحدث حدث آخر هو عقد مؤتمر قمة عالمي متخصص، عرف بمؤتمر قمة مجتمع المعلومات WSIS، حيث تم على مرحلتين، إحداهما في جنيف 2003، والثانية في تونس 2005.

دفع هذا المؤتمر دول العالم نحو التحول الرقمي، فقد طالب بوجود بنية رقمية واسعة لدى دول العالم، تشمل توصيل المناطق النائية، والمدارس، والمكتبات، والمستشفيات، ومراكز الأبحاث، والإدارات الحكومية، مع التأكيد على نفاذ أكثر من نصف سكان العالم إلى تقنيات المعلومات والاتصالات. وتجدر الإشارة هنا إلى أن برنامج التعاملات الإلكترونية الحكومية في السعودية "يسر Yesser" قد بدأ في تلك الفترة عام 2004، ثم بات هيئة الحكومة الرقمية ابتداء من 2021. ويضاف إلى ذلك أن أولى الشبكات الاجتماعية على الإنترنت، وهي "فيسبوك Facebook" التي باتت تدعى "ميتا Meta"، بدأت أيضا 2004.

قدمت الأمم المتحدة عام 2015 أهداف التنمية المستدامة SDGs، لتقدم مرحلة جديدة للتنمية بعد مرحلة أهداف الألفية MDGs. وتجدر الإشارة هنا إلى أن الأهداف الإستراتيجية للتنمية توضع عادة في إطار زمني يستغرق "15 عاما"، يتم بعدها تجديد الأهداف بما يتوافق مع متطلبات التنمية والحاجة إلى استدامتها. وقد اهتمت أهداف التنمية المستدامة البالغة 17 هدفا، بدور التحول الرقمي في التنمية. وقد أكد إصدار سابق للاتحاد الدولي للاتصالات ITU، التابع للأمم المتحدة، على ضرورة استغلال التقدم الذي تشهده التقنية الرقمية من أجل تسريع تحقيق أهداف التنمية المستدامة، ربما قبل الموعد المستهدف عام 2030.

ومن الأحداث الدولية المهمة في العمل على تفعيل دور التحول الرقمي إنشاء "منظمة التعاون الرقمي" الدولية في أعقاب قمة العشرين في الرياض 2020. وتقول رؤية هذه المنظمة "إنها تعمل على إيجاد عالم تستطيع فيه الأمم، والشركات، والأفراد، تحقيق الرفاهية من خلال الاقتصاد الرقمي"، أي الاقتصاد المتفاعل مع التقنية الرقمية.

يبرز، بعد ما سبق، تساؤل يقول: هل نحن نحقق التحول الرقمي فيما هو متاح من تقنية رقمية، بل وهل نحن نواكب أيضا المعطيات المتجددة للتقنية الرقمية ونستفيد منها في تفعيل التنمية وتعزيز استدامتها. والإجابة عن ذلك هي نعم جزئيا، ولا جزئيا أيضا، ولو أن الجزء في نعم يفوق الجزء في لا، وفي ذلك ما يبشر بوجود الخبرة، وبالتالي التمكن من استخدامها، بل وتطويرها أيضا. والقول الواجب هنا هو أن علينا أن نكون أكثر نشاطا في الاستفادة من معطيات التقنية الرقمية القائمة على أرض الواقع، ومن تلك المتجددة أيضا، وعلى رأسها تقنيات الذكاء الاصطناعي.

ولعل من المفيد أخيرا ملاحظة أن مسألة التحول الرقمي، والاستفادة من التقنية الرقمية، ليست مسألة تقنية فقط، بل هي مسألة إنسانية وثقافية، ومسألة اجتماعية وتشريعية أيضا. وعلى ذلك يحتاج التحول الرقمي، كي يكون فاعلا ومعطاء، يستفيد من إمكانات التقنية الرقمية على أفضل وجه ممكن، إلى منظومة تتكامل فيها هذه العوامل، من أجل دراستها وتفهم جوانبها وتقديم الحلول التي تناسب أبناء المجتمع ومؤسساته.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي