تحدي الدين العام

ظاهرة دين القطاع العام أصبحت مؤثرة وتنمو تقريبا في جميع الدول على اختلاف مراحلها في التقدم والتمكين المالي والاقتصادي. لفت نظري ورقة بحثية في تقرير بث على مووقع صندوق النقد الدولي تناقش الظاهرة ومخاطرها وقنوات الحلول قبل تفاقم الأوضاع. إشكالية التعامل مع الدين أنها تختلف للدول حسب الحالة العامة مثل هل الدولة تعتمد على عملة صعبة، وهل الدين مقوم بعملة البلد أم بالعملة الصعبة وأخيرا ثمة عوامل متحركة مثل النمو الاقتصادي ونسبة الفائدة ونقطة البداية وتجربة الإدارة المالية والنقدية، وأخيرا أهداف وأغراض توظيف التمويل. لكن أظن أصعب أنواع الدين للتحليل للدول التي تعتمد على دخل مؤثر من النفط والغاز أو أي موارد طبيعية. الورقة لم تتعرض لهذه الجزئية مباشرة ولكن هناك نقاط تقاطع كثيرة. المرحلة الحديثة بدأت مع الأزمة المالية في 2007 ومن ثم جائحة الكورونا على خلفية نسب فائدة منخفضة منذ أن تمت السيطرة على التضخم في بداية الثمانينات من القرن الماضي. من المتوقع أن تصل نسبة الدين العام إلى الدخل القومي نسبة 80 % للدول عالية الدخل و120 للدول النامية في 2028، لم تصل الدول الغنية لهذا المستوى منذ الحرب الثانية خاصة في زمن السلم. المهم عادة في الدين مدى القدرة على الاستدامة المالية والاقتصادية في ظل الدين، وهذه تعتمد على أربعة عناصر طبقا للورقة، الأول الرصيد الأولي فائض دخل الحكومة ناقص مصروفاتها دون تكلفة الدين، والثاني النمو الاقتصادي كي تستمر الاستدامة، بينما الثالث نسب الفائدة العالية والرابع مستوى الدين يجعل الاستدامة تحديا أكبر. هذا عن الإطار العام ولكن دور السياسات العامة عادة في المتحرك. أهم تطور تشترك فيه الدول الدول الغنية والأقل، إن دور القطاع العام في تزايد ملحوظ منذ بداية المرحلة الجديدة. أحد أهم أعراضها أن الجزء الثابت في الميزانيات العامة في نمو مستمر. الإشكالية أن هناك تزامنا بين نمو اقتصادي متواضع ونمو مستمر في الدين، وكذلك تراجع في النمو السكاني وضعف في الإنتاجية، خاصة في فجوتها بين الدول المتقدمة والنامية كما ذكرت مديرة صندوق النقد الدولي. بيئة اقتصادية ليست على ما يرام يصاحبها تغير في نسب الفائدة. أغلب الحديث عن نسب الفائدة قصيرة الأجل التي ربما بسبب التراجع السكاني انخفضت النسب الحقيقية -الاسمية، ناقص نسبة التضخم- لمدة معتبرة وبالتالي كانت أقل من نسبة النمو الاقتصادي، ما سهل التعامل مع الدين العام، لكن الوضع اليوم بدأ يتغير مع حالة التضخم، إذ إن نسب الفائدة طويلة الأجل بدأت توضح هامشا أعلى للمخاطر، ما يضغط على تكلفة التمويل. في ظل هذه الأوضاع توصي الورقة بعدة نصائح، الأولى أن على الدول أن تبدأ بتكوين سد مالي، سيطرة تدريجية أكثر على المصروفات العامة خاصة أن هذه تزداد صعوبة في حال الأزمات. ثانيا، لا بد من اختبارات إجهاد للقطاع المالي خاصة المصرفي للتأكد من حالة مقبولة للسيولة ومتانة وسلاسة سوق الأوراق المالية. الثالث لا يمكن تأجيل الإصلاحات الهيكلية لتعزيز فرص النمو واستقرار الاستدامة المالية، في الدول النفطية لا بد من إداراة الاستثمارات بمفاضلة ومهنية عالية. تقريبا كل دول العالم ستجد في هذا الإطار ومساحات السياسة العامة ما يُطبق عليها بما في ذلك توصيات الحلول. الدرس ألا تقع الدول بين فكي ارتفاع التكاليف الثابتة ودين عام عال في ظل ارتفاع الفائدة خاصة لما يكون لتمويل استثمارات لا تدر عائدا مجزئا.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي