فقر الطاقة والتنمية المستدامة

تشير التقديرات إلى أن 7 إلى 10 %هي كمية كافية من إنتاج الكهرباء الحالي في العالم التي يمكن أن تغطي الاحتياجات الإنسانية الأساسية، وهذا يشير إلى أن كفاءة الطاقة لا تزال تحديا عالميا، ومع ذلك يواجه العالم فقر الطاقة والتغير المناخي كقضايا أخلاقية بالدرجة الأولى وتمثل طريقة معالجتهما معا معضلة أخلاقية جسيمة. ويقال أن إنسانا واحدا تقريبا من بين كل أربعة أشخاص في العالم لا يحصل اليوم على موارد الطاقة الكافية. إذن، كيف نوازن بين التكاليف الاجتماعية قصيرة الأجل التي يتحملها الفقراء والدول النامية وبين تكاليف الحد من التغير المناخي طويلة الأجل؟ مع العلم أن تكاليف التغير المناخي قد تؤدي إلى زيادة التفاوت بين الأغنياء والفقراء وتعاظم الديون والفوائد طويلة الأجل من أجل الانتقال إلى مجتمع أكثر عدالة واستدامة. إن تراكم الغازات الدفيئة وتأثيرها على ظاهرة الاحتباس الحراري والتغير المناخي ترجع في الغالب إلى الدول الغنية التي تعتمد اقتصاداتها حاليا على التصنيع المكثف للطاقة وأنماط الحياة القائمة على مصادر أحفورية. ولو عدنا إلى بروتوكول كيوتو، فسنرى أن أهداف خفض الغازات الدفيئة في خطر، إذا قامت البلدان النامية بزيادة انبعاثاتها بشكل كبير. وفي المقابل، لو لم تتحرك تلك الدول النامية أو الفقيرة نحو بناء اقتصاداتها وتحسين مستويات معيشة شعوبها، فستعاني عبء القيود المالية وعدم نهضة مجتمعاتها وتحسين الأمن الاقتصادي. وستضطر البلدان النامية إلى اللجوء إلى التقنيات الرخيصة والملوثة إذا لم يكن هناك دعم وتمويل لمشاريع الطاقة المتجددة وتحسين لكفاءة الطاقة في الدول النامية من غير أجندة وإملاءات سياسية خفية. وستتبع تلك الدول الفقيرة أو النامية نفس الطريق الذي سلكته أوروبا في الثورة الصناعية الأولى في ثمانينيات القرن الثامن عشر، التي اعتمدت على الوقود الأحفوري. ومن شأن هذا المسار أن يسبب إلى تفاقم قضية انبعاثات الغازات الدفيئة والمخاطر المحتملة على التغير المناخي. وفي حقيقة الأمر، إذا كانت الدول المتقدمة هي المنتجة الرئيسة للغازات المسببة للانحباس الحراري العالمي في الحاضر والماضي، فيتعين عليها أن تتحمل المسؤولية عن التنمية المستدامة للفقراء ويدفعوا فاتورة انبعاثاتهم لأكثر من 200 عام. ويتعين على العالم الصناعي أن يتحمل قدرا أكبر من المسؤولية في تطوير الطاقة المتجددة والمساعدة في النهوض بالقطاعات الريفية في البلدان الفقيرة والنامية دون تعريض أنظمتها البيئية للخطر وكذلك دون المساس بأمنها الاقتصادي.
لقد أضحى تقدم العلوم والتقنية في وقتنا الحاضر الأمل الوحيد لحل المشاكل البيئية، التي غالبا ما تنطوي على مسائل فنية. ولكن التحديات البيئية لا تمثل مشاكل حصرية في مجال العلوم والتقنية فحسب بل ربما تثير قضايا أساسية حول القيم والأهداف الإنسانية، وتتطلب إجابات على أسئلة أخلاقية وفلسفية. على سبيل المثال هل يجب أن تفرض تنظيمات على عدد السكان في الدول النامية، كما يشاع ويقال بين الحين والآخر؟ وماذا عن سلوك المجتمعات الغنية في استهلاك الطاقة؟ وهل العالم مستعد لتغييرجدي في مستويات الراحة التي يتمتع بها الآن؟ من غير المنطقي أن ننظر فقط إلى الكيفية التي يتعين بها على البلدان النامية أن تعمل على تحويل تقنياتها ومصادر الطاقة الخاصة بها للمستقبل كوسيلة لحل المشاكل البيئية على مستوى العالم. بالفعل، تنشأ عديد من القضايا الأخلاقية نتيجة لعدم المساواة في الحصول على الطاقة بالتالي تداعيات بيئية لمختلف طرق تلبية الطلب على الطاقة. وعليه ينبغي تطوير نموذج اجتماعي يعالج فقر الطاقة والتغير المناخي معا، ما يعزز التنمية المستدامة ويحافظ على التنوع الثقافي والعدالة والرفاهية الاجتماعية.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي